شكلت وفاة "صالح المنصور"، حالة صدمة تقريبا لعدد كبير من الأجيال الجديدة، التي فاجأها عنوان شبه موحد حملته الصحافة السعودية، وهي تنعيه قبل أيام، تحت عبارة "الشيوعي الأخير". هذه الصدمة تتكرر مرارا في مواقع التواصل الاجتماعي، لحظة نشر أي معلومة تتعلق بالكاتب والمترجم "فايز محمود أبا"، أحد أبرز فرسان النقد الحديث خلال حقبة الثمانينيات، والذي يدين بفضله عدد ليس قليلا من مبدعي المشهد الإبداعي في السعودية، على نحو ما تبرزه نماذج من اهداءتهم له في إصداراتهم، قبل توقفه مجبرا عن الكتابة منذ 2003 لظرف صحي.


إهداءات باردة

"لا تنس نسختي، موقعة بإهداء جميل".. جملة قل من لم يسمعها من المبدعين، لحظة إصداره أي كتاب جديد. من هنا تنطلق المفارقات، فتحضر المشاعر على الأرجح، ولكن - بحسب متابعين- إلى أي حد يمكن أن تمثل الإهداءات - بصورة عامة -  صدقية ذلك، وهل تكاد تمثل صورة مقربة جدا من عوالم الشخص المهدى إليه، إن تجردت من المبالغة في المجاملة والإطراء، ونأت عن التملق ومجانية المديح والتسول؟.

تطرح هذه الأسئلة دون أن تغيب عن الذهن إهداءات تكتب لغة محايدة تماما، من نحو "الصديق  فلان الجميل محبة وصداقة أهدي إليه هذا العمل". أو جمل قصيرة قد ينظر إليها بأنها باردة من قبيل "الأستاذ فلان.. مع مودتي"، لكن بمرورك على تجربة فايز أبا، تجد عبارات قصيرة لكنها لن تخلو من لفتة ما، مثل إهداء القاص المصري محمد المغبوب  "الصديق الحاضر فائز أبا.. مع وافر مودتي". أو إهداء القاص السعودي أحمد إبراهيم يوسف له، "شرف لي أن أهدي هذا الكتاب للإنسان النبيل الأستاذ فائز أبا، إعجابا بفكره ومحبة له".


حفلات التوقيع

في الوقت الذي شاعت فيه على نحو واسع في العقد الأخير حفلات توقيع الكتب، ظلت مضامين الإهداءات بمنأى عن الإبداع لدى عدد ليس قليل من المبدعين، الذين يخون الذكاء بعضهم في الإهداء، فيما يخون الإبداع نفسه بعضا منهم.. وفق رؤية متابعين، لا يترددون في القول بأنه سيأتي زمان، تدرس وتبحث فيه هذه الإهداءات، إذ لربما تقود إلى مساحات لم يرتدها علم النقد بعد.