يا أخي يحرجوننا هؤلاء الخواجات في بلادهم حين نصطاف عندهم، وذلك بحسن تعاملهم ورقي سلوكياتهم، ما يجعلني أحزن وأنزعج وأنا أشعر أنهم يختلسون تعاليم ديننا، فيحسنون المعاملة دون النظر إلى أي اختلافات عرقية أو دينية، فتجدهم يهشون ويبشون، وتنبسط عضلات وجوههم بالاسترخاء والتمدد والتبسم، من خلال كل خدمة يقدمونها، وفي كل منعطف وشارع ومحل تلتقي فيه أحدهم، فإنه يبتسم لك وهو يمر مسرعا أمامك، ولهذا تتردد على مسمعك كثيرا، خاصة في المدن الأميركية، مفردات من نحو hi هاي، أو لو سمحت، excuse me، أو عفوا، sorry أو شكرا thanks، وفي كل تلك الحالات تجد الشخص منهم يتعمد أو لنقل يتكلف الابتسام رغم أنك عابر في طريق عابر، ورغم أنه لا يعرفك ولا يعتقد مثلما لا تعتقد أنت أن تراه مرة أخرى، لكنه السلوك الحضاري المتمدن الذي يدفع إلى مثل هذا الفعل، فربما أن ذلك يرطب بعض أكلاف المدنية وإرهاقاتها المعيشية. لكنني لا أقول إلا سامحهم الله على هذه السرقة الواضحة الفاضحة لتعاليم إسلامنا، وحتى مع كوننا أهملنا واسترخصنا هذه التعاليم السامية، ولم نعد نطبقها في تعاملاتنا مع بعضنا بعضا، أو خلال تعاملنا مع الآخر، لكننا مع ذلك كله لا يجب أن نرضى، ولا أن نسمح لهم أن يكونوا مسلمين أكثر منا، وذلك حين يسرقون ما يفترض أنها أدبيات وأساسيات تعاملنا، ثم يطبقونها بلا احم ولا دستور، ويتركوننا نتعامل بفظاظة وجلافة ما أنزل الله بها من سلطان، بل لم يكن سيد الخلق والأخلاق على هذا النحو ولا صحبه الكرام، لكن ربما تكون الجبلة العربية التي هذبتها ورطبتها تعاليم الإسلام، لكننا غفلنا عنها ونبذناها، ثم وجدناها ماثلة بحذافيرها عند هؤلاء الأجانب.

وما يزيدني حسرة، أننا نسافر كثيرا إلى كل أصقاع المعمورة -وخاصة منها بلاد الفرنجة- ونجد عندهم خلال إجازاتنا حسن التعامل وطيب الوفادة وبشاشة اللقاء، وقد نجاريهم في تلك الطباع خلال وجودنا عندهم فنهش ونبش ونبتسم وننبسط معهم كما يفعلون معنا، لكننا حين نعود إلى ديارنا ننكص على أعقابنا، ونعود سيرتنا الأولى، فنتجهّم ونعقد حواجبنا ونقطب ملامحنا ونكشر وجوهنا، ونلتقي البشر في قنوات الخدمة الوظيفية والخدمية في المطار والفنار والقطار وفي الوزارة وعند أهل التجارة والشطارة على نحو نظهر للناس فيه أننا أصحاب الفضل، وهكذا نمتن على الناس ونحن نخدمهم في الاتصالات وفي الطيران أو البلدية أو الاستقدام، وفي كل أوجه الفائدة والاستخدام التي يدفعون عنها مقابلا.

والمواطن السعودي تحديدا يسافر كثيرا ليس بسبب الطقس ولا بحثا عن المتعة المحرمة، ولكن لأنه يجد كثيرا من التسهيلات بنفس طيبة على النحو الذي يشعر معه أنه السيد، وذلك فقط لأنه مخدوم في حاجته، ولأن ذلك كله يتم مع كثير من اللطف والتودد، بينما نجد أن مقدم الخدمة عندنا "كيفما كانت" يشعرك أنه هو القيمة التي سخرها الله لتيسير أمرك، لتشعر أن ذلك حدث لك لأنك تتوفر على واسطة معتبرة ومحسوبية لها قيمتها.

دعونا نعترف في خلاصة الأمر بأننا يجب أن نتغير، ويقع علينا واجب استعادة كثير من طرائق حسن التعامل مع الغير، وأن نكون مثل هؤلاء الذين يتلبسون بسلوك الإسلام وهم ليسوا بمسلمين، بل وعلينا أن نبادر بذلك، خاصة ونحن أهل عقيدة وملة، ومنبع هذه السلوكيات المتحضرة وألا نخجل من اقتفاء وتقليد هؤلاء الخواجات، وأن نستمر بالأخذ والاستيراد والاستعادة حتى نغلق ملف تلك المقولة القديمة التي نُسبت إلى أكثر من أحد، وكان أبرزهم الشيخ رفاعة الطهطاوي، وكذلك الإمام محمد عبده الذي أجاب حين سُئل عن أبرز ما وجده في باريس، فقيل إنه رد قائلا: "وجدت إسلاما ولم أجد مسلمين".

يا الله، إنه أمد طويل منذ أن قال الإمام محمد عبده هذه الكلمة الشهيرة التي غدت مثلا، لكن للأسف يا شيخ محمد، فإن الوضع ما زال كما وجدته قبل قرن من الآن.

"أرجوكم يا ربعنا" ليتنا نوقن بذلك حين ننظر حولنا، كما أرجو ألا ينبري أحدهم فيتهمني بموالاة الكفار أو محبتهم فيضيع أصل المشكلة وصلب الموضوع، فما أنا كذلك لكن موالاتي لتعاليم ديني تجعلني مطالبا بكل ما سبق.

ومن هنا أقول: دعونا نتغير ونعيد إلى الأخلاق والسلوكيات الإسلامية اعتبارها، لكن في بلادنا. لأننا نريد إسلاما في تعاملنا يا مسلمين.