أصدق المسؤول الذي يصرّح دائماً بأنه يتبّع سياسة الباب المفتوح مع الجميع، وأكرر أن مشكلتنا ليست مع باب المسؤول، بل مشكلتنا في عدم استطاعة الوصول إلى الباب أصلاً، وبشكل أصح مشكلتنا مع السكرتير أو مدير المكتب وليس مع الأبواب، أحب الأبواب، ولم أرَ يوماً باباً ينظر بتعالٍ لباب آخر لأنه مصنوع من شجر السنديان، بينما الباب الآخر مصنوع من معدنٍ حقير!

مشكلة المسؤول دائماً أنه يتعامل مع الكلمات حرفياً، أو ربما مشكلتنا نحن أننا منساقون خلف غواية المجاز، فعندما يكون المسؤول في البيداء وتُمنع من الوصول إليه فإنك بالتأكيد لن ترى بابه مغلقاً فحسب، بل سترى كل أبواب الدنيا مغلقة في وجهك، هو سيسخر منك لأنه لا يوجد باب أصلاً، فيما أنت (تحت غواية الكناية هذه المرة) تعرف أن المسؤول يحمل معه الباب أينما ذهب، وأينما (ألقى مفاتيحه) مع الاعتذار لسيد البيد الذي تنبأ بمستقبل وزارة الإسكان كحاضنة أولى للقلق: (قصائدي أينما ينتابني قلقي .. ومنزلي حيثما أُلقي مفاتيحي)!

وقس على الباب اللقاء المفتوح مع المواطنين، فالمسؤول يعتقد أن وصول هؤلاء إلى المجلس كان ببساطة كوصوله هو، ويظن أن هؤلاء هم المواطنون البسطاء الذي كُلف بخدمتهم، جاهلاً بأن الوصول إلى هذا المكان يتطلب طرقاً وعرة التضاريس، وشبكة علاقات، ويخضع للتدقيق في دبلوماسيته، والتأكد من لباقته في الحديث (المقصود أن يمدح بطريقة لبقة)، والتأكد أنه ليس صاحب سوابق في النقد، وغيرها من الشروط غير المعلنة، والتي لا يمكن لمواطن بسيط أن يجيدها ليحظى ببطاقة الدعوة (الورقة التي لا أحد يعرف من أين صُنعت لكنها قادرة على هزيمة أعتى الأبواب ذات الأصل السندياني العريق)، ثم بعد ذلك يأتي أحدهم مدافعاً عن المسؤول بأنه طيّب وكريم ويصلي الفجر مع الجماعة، وأن كل تلك العراقيل التي وضعت دون الوصول إليه لا يعلم بها، وهذه تالله أعظم شتيمة تقال لمسؤول، فماذا يعني ألا يعلم مسؤول عن تصرف من هم تحت إمرته؟!

ولعل أجمل اختصار لهذا المقال ما قاله الزميل الساخر والساخط أحياناً هايل الشمري في مقالته التي عنونها بـ(لقاء الملك أسهل من لقاء الوزير)، وقد عايشنا آلاف الحكايات التي أبت أن تتجاوز باب المسؤول، ولما يئست وجدت الطريق إلى الملك بلا أبواب، ولهذا أرى أن المواطن عندما يقف أمام الملك فإنه لا يحمل مشكلته وحده، بل يحمل معه قائمة طويلة بأسماء أصحاب الأبواب المغلقة الذين تملصوا عند دورهم، وليعلم هؤلاء أن الحكاية ليست في الباب، الحكاية في فهم معنى الباب.

لا نريد منهم الابتكار، فقط نريد أن يقلدوا الملك –حفظه الله– وكثّر الله خيرهم.