تظل الرواية التاريخية جزءا لا يتجزأ من الإبداع الروائي الذي يتداخل فيه التاريخي والاجتماعي وبعضا من الجماليات الفنية والحسية. هذا ما تميزت به رواية (سيدة أبها) الصادرة عن دار العرب للطبيب البريطاني ويليام نيوتن. سرد روائي تاريخي طويل ومفصل لشاب بريطاني يبحث عن والده، وفي الوقت نفسه يتبدى له أنه يبحث عن ذاته، وعن كشف نمط حياة كيانات إنسانية عربية عاشت في تلك الحقبة شكلا سياسياً واجتماعياً مختلفاً.

يتجلى الإبداع في هذه الرواية في جانبين: الأول أنها تصف أبها من خلال منظور مختلف بعيداً عن الانتماءات والتعصب، كون السارد هنا لا ينتمي للمكان بقدر ما سيكون أشبه بالحكواتي الذي يبث الصور الفنية والتاريخية، إما لتسلية الحضور أو لقول ما لم يقل. والثاني أنها تسرد الحياة في صور تكاد تتجسد بالألوان والصوت والشعور.

عمد مترجم رواية سيدة أبها إلى جعلها أقل وقعاً على المتلقي العربي المعروف بكونه محافظا ومتوجسا فيما يتعلق بالكلمات، وتحديدا نوعا محددا من الكلمات، بحيث عدل اسم الرواية من (عشيقة أبها) إلى (سيدة أبها). حيث تحكي الرواية عبر الشخصية المحورية قصة البطل الذي عشق امرأة اشتهرت بجمالها بين إحدى القبائل آنذاك.

مسرح أحداث الرواية هو تلك المنطقة في جنوب المملكة في عشرينيات القرن الماضي مروراً بالساحل الجنوبي الغربي من الجزيرة العربية.

حشد الروائي البريطاني ويليام نيوتن الكثير من الأسماء والأحداث والتفاصيل الدقيقة التي تكاد تصور البيوت الجنوبية بألوانها وساحتها وجبالها وسراتها، ورجالاتهم بأسمائهم وقبائلهم، مما يجعل الرواية تميل إلى ذلك النوع من كتب المستشرقين الذين جالوا في الجزيرة العربية ليدونوا أدق الأحداث وأنماط الحياة فيها. كل هذا لا يغيب القصة المحورية ومرجعيتها التي تتحدث عن رحلة مستشرق بريطاني (إيفور ويلوقبي) الذي رحل إلى قلب الجزيرة العربية بحثاً عن والده روبرت الذي فقد هناك، حيث كان أحد الضباط البريطانيين الذين شاركوا في عمليات عسكرية ضد الأتراك في تلك المرحلة.

تستقي الرواية أحداثها من تاريخ حدث في ذلك الجزء من الجزيرة، وعلى أن الرواية تحركها القصة المحورية لشاب يبحث عن والده وارتباطه بقصة حب إلا أن ذلك القارئ غير المهتم بالتاريخ سيجد أنه في قلب أحداث تاريخية عبر كل صفحات الرواية التي تتجاوز 500 صفحة، مثل مذبحة الطائف، قصص الأدارسة، والشريف حسين، والإخوان، وابن عايض، وتأسيس الدولة السعودية الحديثة، ولهذا يبدو هذا العمل توثيقا تاريخيا في هيئة رواية.

عبر 34 فصلا في رواية (سيدة أبها) تبدأ بقصة السير هوج والسيدة بارثنوب ويلوقبي، وبينهما الكثير من الأحداث التي تخوض في تفاصيل مثيرة في القرن الماضي، وانتهاء بما دونه عن الإخوان وتواجدهم في الجزيرة العربية، والذي عبر عنه ويليام بأنه منعطف تاريخي غير معروف جيداً في الغرب، فإن هناك الكثير مما يمكن أن يُقرأ في الرواية.