جاء موسم حج هذا العام المبارك مميزا بشهادة المنصفين من الناس. والحق، أن استمرار نجاحات الحج عاما بعد آخر، يعكس بوضوح تام التوفيق الكبير من الله سبحانه وتعالى، بشكل أساسي، كذا الخبرات التراكمية التي تشكلت لدى أهل هذه البلاد المباركة، على مدى هذه السنوات الطوال.
البعض حاول التخفيف من قيمة نجاح هذا الموسم، مرجعا ذلك إلى انخفاض عدد الحجيج، والواقع أكد أن الانخفاض في هذا العام عن العام الماضي محدود، وغير مجهول -بلغة الأرقام 89908 حجاج- والبعض حاول أن يبث في الناس الفزع من أن الحج معرض لبعض التصرفات الطائشة التي يدفع بها المغرضون، والواقع أيضا أكد أن هذه المحاولات لم تنجح إلا مع غير الواثقين في ربهم أولا، وفي أنفسهم ثانيا.
وأجمل خلاصة عرفها القاصي والداني، هي أن الحكمة تكمن في المتابعة الدقيقة، وبصمت لا يحسنه إلا الواثق المتمكن، ولذا جاءت النتائج إيجابية بكل المقاييس، وحكت بالأفعال قدرة بلادنا على إنجاح موسم الحج رغم كل "القيل والقال".
من دروس نجاح موسم الحج الدقيقة، أن السياسة مع العبادة ضدان، وأن الفرق كبير بين من يعبد الله لله، وبين من يعبد الله للسياسة، وأن العبادة لا ينبغي أن توظف لمصالح دنيوية، وأن افتعال الأزمات لا ينفع، وأن إطلاق الاتهامات لا يجدي، وأن محاولات تسييس شعيرة الحج لا ولن تنجح، وأن تحويل هذه العبادة العظيمة إلى شعارات سياسية، وجدال، وفسوق أيديولوجي أمر مرفوض تماما؛ وكما قال قائد هذه الأمة، وولي أمرها، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز "حفظه الله تعالى"، "المملكة ترفض رفضا قاطعا أن تتحول هذه الشعيرة العظيمة، إلى تحقيق أهداف سياسية، أو خلافات مذهبية"، وهو نفسه الذي أكده سمو ولي العهد الأمين، عندما ذكر أن السعي إلى تسييس الحج، وتحويله إلى شعارات تخل بأمن الحج والحجيج، أمر لا نقبله، ولا نرضى بوقوعه، ونقف بحزم وقوة ضده.
أعجب الناس كثيرا في هذا الموسم المبارك، العلاقة الحميمية التي بناها رجال الأمن، مع حجاج بيت الله الحرام، خصوصا تلك المتعلقة بتوديع رجال الأمن ضيوف الرحمن، في مشاهد غاية في الروعة، خففت من أمور لا مفر منها في الحج، كالتوتر، أو الارتباك، أو التعب؛ فالشكر كل الشكر لرجال أمننا، ولكل من أسهم في صناعة هذا النجاح الكبير، من أفراد، وجهات، ومؤسسات سعت بجد وإخلاص إلى تحقيق الأماني، والآمال، وأكدت أن خدمة الحج والحجاج فخر لا يعادله فخر، وأن الرد على المغرضين لا يكون إلا بالعمل الجاد.