خلال الأيام الماضية سنحت لي الفرصة لأن أطلع عن قرب -ودون وسيط يهذب العبارات- على أكثر من نموذج أميركي يمثل بعضا من رؤاهم تجاه الشأن السعودي، وبصرف النظر عن مدى قبولنا أو رفضنا لذلك فإنها تبقى انطباعات تلخص أوجها من نظرة الخارج لنا بكل ما فينا من إيجابيات وسلبيات وتناقضات.

في محاضرة للصحفي الأميركي لورانس رايت عرض خلالها كتابه الجديد (سنوات الإرهاب.. من القاعدة إلى الدولة الإسلامية)، وعاد الكاتب الحائز على جائزة البولتزر الشهيرة عن كتابه (البروج المشيدة) ليرسم عبر مقالاته المنشورة في مجلة النيويوركر الشهيرة واقع العالم العربي والإسلامي من خلال لقاءات مع عدد من شخصيات كان لها علاقة مباشرة بالتطرف الإسلامي من الضفتين، ولكن المثير في تلك المحاضرة التي أقيمت في إحدى مكتبات واشنطن هو الرسم الكاريكاتوري للمجتمع السعودي، والذي بسببهم -أو ربما بسببنا- ارتكزت فيه مشاكل مجتمعنا حول نظرة المجتمع ذاته للمرأة وعلاقتها بمحيطها، إضافة لاختزل إشكالية تلك العلاقة في نظرة الشاب المهووس بالفتيات المتلحفات بالسواد، كما وصفهم، وكأن ذلك هو قمة إغراء المراهقين.

الكاتب والذي من الواضح أن علاقته بالسعودية انقطعت منذ سنوات عديدة؛ استطاع أن يرسم صورة ربما لا تروق لنا لأسباب نشوء وتغلغل ذلك الفكر الذي يعتبرونه متطرفا ونعتبره نحن محافظا لدرجة أصبحت مشاكل المنطقة بأكملها نابعة عن هذا الفهم المحدود لمعنى الحياة، وكأنها المرأة والنقاب هما أس أزمتنا -أو ربما هي كذلك- مما جعل الحضور يتنقل في ردات فعله ما بين متهكم ومستهجن، دون إدراك أن قضايانا تتجاوز المرأة وقضاياها المستحقة إلى مسائل تتعلق بالفكر الاجتماعي ومدى إدراكه حق الفرد في التعبير والاختلاف وتقرير ما يروق له وفق نظام يسمح له بذلك ويحميه.

أزمتنا مع الخارج كما يراها الخارج تتلخص في وصف "جون الترمان" رئيس برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية حين التقيته قبل يومين، وعندما قال لي: "إنكم تحبون سماع ما يروق لكم، وإن كنا نرى الأمور بشكل مختلف وليس بالضرورة في تناقض مع ما ترونه أنتم إلا أنكم تعتبرون ذلك رأيا مخالفا وربما معارضا"، وكأنه يقول إن السياسة لوحة تتبدل ألوانها مع تموجات أشعة الطيف، أما اللون الواحد فلا يمكن أن يرسم لوحة يدوم جمالها للأبد..