أنجزت المملكة وعدها، وحققت مبتغاها، واكتمل موسم الحج الأعظم بنجاح باهر على كافة الأصعدة، وأدى المسلمون ركن الحج الأعظم بسلاسة، وانطلقت حناجر الحجاج وهي تمزج تلبيتها ودعاءها بالدعوة لقادة هذه البلاد، وخاب فأل مرشد الشر الإيراني، وانقلب سحره عليه، ولم يكسب سوى لعنات المسلمين التي انطلقت تلاحقه في أقدس أيام الله، وأطهر أراضيه، حينما مارس التحريض الأعمى، ودعا الحجاج لإفساد تلك الأيام الوضيئة، بالدعوة إلى التظاهر والشغب، في أيام خصصها الله لعبادته، ودعا عباده للتقرب إليه، ووعدهم بالخير العميم.

لم يدرك رأس النظام الإيراني أن المملكة التي تبذل كل غال ورخيص لخدمة حجاج بيت الله، والجهود المضنية التي يقوم بها قادة هذه البلاد المباركة، على أعلى مستوياتهم، اكتسبت محبة المسلمين في كافة بقاع الأرض، وأن التحسينات والتطوير المستمر الذي تقوم به، وعشرات المليارات التي تصرفها سنويا لتخفيف مشقة ضيوف الرحمن، هي السبب الذي أكسبها محبة تلك الأفواج التي فارقت ديارها وعائلاتها، وقصدت بيت الله الكريم، أملا في رحمته، وطلبا لعفوه وغفرانه، فيستقبلهم أهل هذه البلاد قبل مسؤوليها، ويفتحون لهم قلوبهم قبل بيوتهم، وتصافحهم أفئدتهم قبل أياديهم.

لذلك فإن الدعوة الباطلة إلى تدويل الحج، وهرطقات المرشد الذي هو أحوج ما يكون إلى الإرشاد ومعرفة سبيل الرشد، ما كان ينبغي أن تصدر من مسؤول صغير، ناهيك عن رأس نظام في دولة تدعي الإسلام، لأن عامة الناس وبسطاءهم يدركون أن خدمة الحجاج وسدانة البيت الحرام وخدمة ضيوف البيت العتيق وزواره هي أعراف سائدة منذ فترة ما قبل الإسلام، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما فتح مكة ودخل المسجد الحرام أقر كثيرا من تلك الأعراف وقام بتسليم مفاتيح الكعبة المشرفة لآل شيبة، توقيرا لهم وتأليفا لقلوبهم.

ولا ينكر أكثر الناس جحودا حجم التضحيات التي يبذلها قادة المملكة العربية السعودية، والأموال الطائلة التي أنفقوها ولا زالوا يفعلون -بطيب خاطر وعظمة نفس- في سبيل إزالة المشقة عن تلك الوفود المباركة التي تهفو أفئدتها نحو أول بيت وضع للناس، وتستعين في سبيل ذلك بأفضل بيوت الخبرة العالمية وأكبر الشركات. ولا يكاد يمر عام دون أن تشهد المشاعر المقدسة تطويرا وتحديثا.

ولأن حكام المملكة وقادتها يتقنون العمل في صمت، ولا يهتمون بسفاسف الأمور وصغائرها، فإنهم لم يكترثوا لتلك الدعوة الباطلة التي انطلقت بها حناجر أعداء النجاح، الذين اهترأت نفوسهم ودواخلهم من الغل والبغض، ولم يكلفوا أنفسهم مشقة الرد عليها، وانطلقوا نحو تأمين موسم الشعيرة العظمى، وتفانوا في خدمة حجاج بيت الله، وتسابقوا في سبيل تذليل كل مشقة قد تصادفهم، وحل أي مشكلة قد تعترض طريقهم، بدءا من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، الذي رابط في مكة للإشراف شخصيا على راحة الحجيج وضمان سلامتهم، ومرورا بولي عهده ورئيس لجنة الحج العليا الأمير محمد بن نايف الذي تفقَّد كل المرافق الخدمية الموكل إليها خدمتهم، واطلع بنفسه على كل صغيرة وكبيرة في شؤون الحج، وأمير مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل الذي بذل من الجهود ما تعجز الكلمات عن وصفه، متقدما المسؤولين في التأكد من اكتمال كافة التجهيزات. لقد سخرت الحكومة كافة إمكاناتها الأمنية والصحية والخدمية لإنجاح الموسم، فكان من الطبيعي -بتوفيق الله تعالى- بعد هذه الجهود العظيمة أن يحقق الموسم نجاحا لافتا، أدخل الفرحة والسرور في نفوس المسلمين في كافة بقاع الأرض، وأشعل النار في أفئدة من يتشدقون بالإسلام وهو من أفعالهم براء.

ومن المؤسف أن يأتي التصعيد الإيراني السالب في وقت يبادر فيه المسلمون إلى التصافي، ويبحثون عن سبل وقف العدائيات، وتصفية النفوس، والبحث عن أوجه الاتفاق، والنأي عن كل ما يزيد الخلافات وأوجه التنازع، إلا أن ساسة إيران، الذين لم تعرف المنطقة منذ قيام ثورتهم المشؤومة غير التنازع والقلاقل، لم يتطبعوا بطباع المسلمين، ولم تتشبع نفوسهم بتعاليم الدين الحنيف، الذي ما كان يوما هدفه الفرقة، وما أتى إلا رحمة للعالمين.

سيأتي العام المقبل، وسينعم الحجاج الجدد بخدمات أكثر، وراحة أكبر، وسيجد الذين أدوا الفريضة خلال الأعوام الماضية مزيدا من التحسين والتطوير، وستظل هذه السُنة الحميدة لقادة المملكة مستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لأنهم عاهدوا الله أن يبذلوا كل غال ورخيص لأجل بيت الله، الذي اختصهم المولى عز وجل بالعناية به، وشرفهم بخدمة ضيوفه، والسهر على راحتهم، فقاموا بالمهمة الموكلة إليهم خير قيام، هدفهم الوحيد بعد رضاء الله هو إراحة عباده.

وسيظل مواطنو هذه البلاد الطيبة سندا لقيادتهم، وذراعا لها، يتسابقون بدورهم في الترحيب بالحجيج والتشرف بخدمتهم، وتقديم كل ما يلزم لهم، حتى تظل هذه الأيام التي يقضونها بين ظهرانيهم ذكرى مضيئة في نفوسهم، يتباهون بالحديث عنها في أوطانهم.

أما دعاة الفتنة وأرباب الضلال، فسوف يبقون في نفس حالتهم البائسة، يجترون المرارات ويعيشون الخيبات، وستظل دواخلهم السوداء على ما هي عليه، تنضح بالحقد والحسد، يلوكون الحسرة ويتجرعونها، لأنهم خرجوا على إجماع الأمة، وأرادوا أن تسمح لهم المملكة بإفساد تلك المناسبة العظيمة بالمظاهرات السياسية ورفع اللافتات التي لا تتوافق مع قدسية الزمان والمكان، والدعوة بشعارات طائفية ومذهبية، ما أقامت دينا ولا عظمت شعيرة، ويا له من اختيار بائس.