انعقدت الأعمال الاستشارية التحضيرية لمؤتمر مؤسسة الفكر العربي في جامعة الدول العربية بين السابع والثامن من سبتمبر الجاري. وخلال الجلسة الاستشرافية الأولى بإدارة المفكر وعالم الاجتماع المغربي الدكتور محمد المعزوز، تم طرح العديد من الأسئلة البالغة الأهمية وخصوصاً فيما يعني دول النزاع العربي وتحديات الاستقرار في كل من اليمن وسورية والعراق وليبيا. وكانت أهمها للدبلوماسي السوداني العريق الأستاذ إبراهيم الثوري، الذي أمضى ما يقارب أربعة عقود بين وثائق جامعة الدول العربية ومؤتمراتها وتحدياتها، وكانت مداخلته حول أهمية الوثائق التأسيسية للدولة الوطنية العربية، وكيف أنها تضمنت كل ما يوحد ويجمع ويؤكد على الهوية الوطنية بين مكونات المجتمع والدولة.
استحضرتُ هذه الإشارة المميزة وأنا أفكر في كتابة هذا المقال الذي يصادف مناسبة اليوم الوطني السعودي، في 23 سبتمبر، وتوقفت عند هذه المناسبة في هذا الظرف الدقيق. وهذه ليست المرة الأولى التي أهتم فيها باليوم الوطني السعودي، إذ مارست التقاليد المعهودة بتلبية دعوة السفارة السعودية في بيروت إلى حفل الاستقبال الذي تقيمه سنوياً، وقد شاركت فيه مرات عديدة، كما هو الحال بالنسبة للعديد من السفارات العربية الشقيقة أو الدول الصديقة التي تدعوني إلى مثل هذه المناسبات. لكني شعرت هذا العام وبعد مداخلة صديقي إبراهيم الثوري عن وثائق التأسيس والاستقلال، أنه يتوجب علي التعامل مع اليوم الوطني السعودي بما هو يوم الاستقرار الوطني للعديد من الأشقاء والأصدقاء السعوديين كأشخاص بعينهم.
راودتني فكرة توجيه رسالة للزملاء في صحيفة الوطن وقرائها الأعزاء الذين يستضيفونني كل يوم سبت على صفحاتها، وأن أعايدهم بيومهم الوطني، وهو أهم المكتسبات الوطنية لدى دول الاستقرار العربي في زمن الفوضى والزلازل والنزاعات، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية لأهمية استقرارها بالنسبة لمواطنيها ومجتمعها العربي والإسلامي. وقد راودتني فكرة الاتصال بالأصدقاء عبدالعزيز وعبدالله وحاتم وحمد وآخرين بشكل شخصي، كما يحصل عادة في الأعياد، وأن أهنئهم باليوم الوطني السعودي.
تساءلت لماذا ليس لدينا في الثقافة الفردية العربية تلك القيمة الرفيعة لأيامنا الوطنية، كما هو الحال لدى بعض المجتمعات الأخرى التي تعتبر أيامها الوطنية بمثابة شهادة نجاح لمجتمعاتها في تحقيق استقرارها وإقامة دولها الحاضنة والراعية؟ وهناك شواهد كثيرة حول هذه القيمة الثقافية لدى العديد من المجتمعات، والتي تكاد تكون غير موجودة في ثقافتنا العربية الحديثة، وخصوصاً على مستوى الأفراد، إذ يقتصر الاحتفال بالأيام الوطنية على أركان الدولة والمؤسسات، في حين أنه عيد حقيقي لجميع الأفراد وخصوصا الأطفال بما هم مستقبل الأوطان.
لدى معظم العرب الكثير مما يريدون قوله لأشقائهم السعوديين في يومهم الوطني، وخصوصا الإخوة العرب من دول النزاع القديم كاللبنانيين والفلسطينيين، ومن دول النزاعات الجديدة كالسوريين والليبيين واليمنيين والعراقيين. تلك الدول التي تناست شعوبها أيامها الوطنية وحرمة حدودها ومجتمعاتها، ووقعت في ما نشاهده الآن من خراب ودمار عمراني وإنساني على حد سواء. وهؤلاء جميعهم وجدوا في المملكة العربية السعودية، قيادة وشعباً، خير شقيق أيام المحن والضياع.
سمعنا جميعا كلمة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف في مؤتمر المهجّرين والنازحين في نيويورك، والتي اتسمت بالموضوعية والوضوح، إذ جاءت السعودية في المرتبة الثالثة عالمياً من حيث تقديم المساعدات الإنسانية، والتي بلغت ما يقارب 139 مليار دولار، هذا بالإضافة إلى الأرقام الدقيقة في استيعاب اللجوء السوري واليمني كأشقاء مكرّمين وليس كنازحين مشرّدين، وتأمين فرص عملهم وإقامتهم وتعليم أولادهم المقدّر عددهم بـ 426 ألف طالب سوري ويمني في المدارس المجانية السعودية. وأعتقد أنّ كل تلك الشعوب العربية تتمنى للإخوة السعوديين كل الخير والاستقرار والتقدم والسلام.
لقد قرأت قصيدة الأمير خالد الفيصل بأمر من خادم الحرمين الشريفين بمناسبة اليوم الوطني، وقد تضمنت التأكيد على قواعد الوحدة والالتزام وحب الأوطان. وأن أبسط قواعد الآداب هي أن أهنّئ الإخوة السعوديين بيومهم الوطني وأن أدعوهم للاحتفال، لأن الأوطان تستحق الاحتفال.