روى لي أحد الزملاء قبل بضعة أسابيع صدمته من سوء تربية مجموعة من المراهقين الذين كان قد أشرف عليهم أثناء رحلة إلى خارج المملكة، كانت مخصصة لتنمية مهاراتهم الشخصية والفنية، فعلى الرغم من تميزهم في الجوانب المعلوماتية والفنية إلا أنهم كانوا في "قمة قلة الأدب" كما وصفهم، مما دعاه للقول بأنها كانت أسوأ تجربة إشرافية له على الإطلاق.

تذكرت قصته وأنا أتابع مشاهد الفوضى التي أحدثتها مجموعة من الأطفال أثناء مداهمتهم مطعما شهيرا، وما لحق بالمكان من تخريب وأذية للعاملين والمرتادين، الأمر الذي لاقى استنكارا واسعا في شبكات التواصل الاجتماعي، على الرغم من بعض الأصوات التي تحاول تهوين الموقف بأنه تصرف يتكرر في جميع الدول، خصوصا إذا ما غاب الرادع الأبوي أو القانوني.

تحدث كثيرون خلال السنوات الماضية عن ازدياد معدل الإجرام في المملكة، ولا أعني هنا ذلك المرتبط بالعمل الإرهابي أو التكفيري، بل بتلك الأحداث التي تشهدها محطات الوقود والمطاعم والأسواق ومكائن الصرافة الآلية وغيرها، فالشاب اليوم يكبر دون أن تكون لديه قدوة حقيقية تدله باتجاه الأخلاق، رغم زيادة النشاطات الدينية والإرشادية، فمفهوم القانون باعتباره المسير الأهم في المجتمعات ما زال غائبا عند الكثيرين، مع استمرار الاعتماد على أنماط تربية تقليدية تعتقد أن الانضباط أمر يمكن حدوثه من خلال الوازع الداخلي فقط!

ما الذي دعا هؤلاء المراهقين إلى التعامل مع زميلي بفجاجة وسوء أدب، غير مبالين بكونه في سن آبائهم وصاحب خبرة ودراية وتجربة طويلة في العمل، وتخرجت على يده أعداد كبيرة من أمثالهم؟ وما الذي دعا هؤلاء الأطفال إلى مداهمة مطعم وتحويله إلى ما يشبه زريبة تعالت فيها الأصوات دون احترام، وتناثرت فيه الأوراق والأطعمة في كل اتجاه؟!

الجواب على ذلك في تقديري يكمن في كون الطفل يكبر اليوم وهو يلقن مناهج تعليمية لم تصمم بطريقة تتقاطع مع التربية والتطبيق العملي، فأكثر ما يدرس اليوم هو معلومات تحفظ من أجل اختبار آخر السنة، وإلا فكيف يمكن أن تكون الفوضى وقلة الأدب والنزعات الإجرامية والعنيفة هي الوجه الذي يظهر لنا وبشكل لافت؟

على المجتمع أن يعي أن أطفال اليوم هم رجال ونساء الغد، فإن لم نفكر مليا في مستقبلهم فإن مستقبل المجتمع في خطر، ولا ننسى أن اليوم ليس كالأمس، فالرفاهية أصبحت من الماضي، والقادم يحتم علينا أن نكون مجتمعا واعيا بالقانون والحقوق والواجبات وإلا فالضياع.