كتب الزميل عثمان الصيني مقالاً جامعاً ومانعاً - وهو على قلة ما يكتب - يلتقط الفكرة الأبعد ويقربها من خلال طرح الأفكار الجديرة بتبسيط الفكرة، وعرضها ضمن إستراتيجية ما يمكن أن نسميه "خارطة الطريق" لإعلامنا الخارجي الذي كان ولايزال يدور في محيط شديد التمركز والتحفظ، معتمداً غالباً على ما قد يرده من توجيهات من المركز بما يشعرك أن الأطراف، وأعني هنا سفاراتنا في الخارج، لا تملك حريتها في التصرف.

وإذا كانت سفاراتنا تقوم بما يجب عليها تجاه المواطن فإن بعض سفاراتنا لا تقوم بما يجب عليها تجاه الوطن.

بل إنها كانت خلال العقود الماضية تمارس دوراً لا مبالياً بما يذاع أو ينشر حول الوطن، ولا أبالغ إذا قلت إن بعض موظفي السفارات كانوا حيثما كانوا يتولون بشكل سري تداول وقراءة ما ينشر من سلبيات عن المملكة من باب الفضول وتعاطي ما هو ممنوع. وعلينا بالتالي أن نعترف هنا بأن بعض سفاراتنا في الخارج كانت خلال عقود مضت غير معنية بما ينشر أو يعرض أو يذاع من تلفيقات، وأكاذيب عن المملكة، وذلك بحجة أن من يقوم بهذه الأفعال غالباً هم من أولئك الذين يمارسون ابتزاز المملكة من خلال تقاريرهم المغلوطة والكاذبة، لكن الواضح أن حسن النية يبدو ظاهراً في ردات فعل سفاراتنا في بعض ما يحاك من أباطيل على أن ذلك يطبع أثره السلبي عن بلادنا ما لم نتول دفع ذلك بالمبادرة والتواصل مع المراكز الثقافية والعلمية والمشاركة في المناسبات والفعاليات الاجتماعية، بل ودعوة غير المتحزبين المستقلين من نخب الإعلاميين والمثقفين وممن يملكون رصيداً مؤثرا إعلاميا سواء من أساطين الإعلام التقليدي أو نجوم الوسائط الحديثة لزيارة المملكة والتعرف على واقعها العصري خارج إطار ما يحاك حولها من حملات مكذوبة ومشبوهة، وزادها تيقناً ومصداقية هذا الغياب الواضح لتوظيف القوة الناعمة، والتي توظفها إيران بحضور واضح كمياً ونوعياً بشكل لا يتناسب مع تمردها وإدارتها - بالوكالة - لكثير من القلاقل في لبنان وسورية واليمن والعراق، لكنها إلى جانب ذلك كله استطاعت أن توظف حضورها المكثف في الإعلام الخارجي من خلال النشاط التواصلي اللافت لسفاراتها في العواصم العالمية.

يجب أن يعزز نجمنا في الساحات الدولية الأستاذ عادل الجبير إلى جانب حضوره الشخصي المميز تواجداً وحضورا لسفاراتنا في الخارج من خلال المبادرات في المناسبات الوطنية والثقافية والاجتماعية لتلك الدول، وفي الأعياد الوطنية لنا ولهم، ولن يتأتى ذلك في ظل افتقار سفاراتنا الخارجية إلى الموظف السعودي، واعتماد عدد من سفاراتنا على توظيف مجموعة من إخوتنا العرب المهاجرين من العاطلين الذين يقومون في الغالب تالياً بدور المرافق والترجمة في المستشفيات والمصحات العلاجية، ولا يهمهم من قريب ولا بعيد الانخراط في قضايانا الوطنية، ولا يلامون في ذلك "فما حك جلدك مثل ظفرك".

ومن هنا فإنه يقع العبء الأكبر في صيانة موقفنا والتعريف بدورنا وجهودنا الخيرية والإنسانية في مختلف بقاع الدنيا عن طريق شراء المساحات الإعلانية كلما كان ذلك هو الأولى لكسب الرأي العالمي العام في مواجهة التهم بالدعشنة والإرهاب والوهابية، وتشويه كل ما يمت إلينا بصلة من قبل الأذرع الإعلامية الإيرانية من خلال دخولهم السلس وتوظيفهم للقوة الناعمة مقابل صدودنا الخشن والذي يجرح دون قصد ولا ريب ملامحنا الطيبة.

أخيراً أرجو كما يرجو زميلنا الدكتور عثمان أن نخرج من دائرة الطباشير بكل ما تحمله هذه الرمزية من الخفة والاندثار السريع كمثل الصعيد الطيب الذي يذهب جفاءً ولا يمكث في الأرض.