لا خلاف على أن الجامعات واجهة حضارية لكل دولة، وإذا جاز أن نفخر بما لدينا من جامعات، فبنوعية أقسامها وعددها، ولعل المقياس الحقيقي للجامعات هو ما تلعبه من دور في تطور المجتمع، والأخذ بيده علميا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.

وإذا نظرنا إلى ما نعانيه من البطالة، المقنّعة منها والظاهرة، ومظاهر سلبية بين شبابنا الجامعي مع وجود حوالي أكثر من 8 ملايين وافد، وعدم قدرة هؤلاء الشباب على الحلول محلهم، دليل واضح على فشل جامعاتنا في قراءة المستقبل والتخطيط ومواكبة "رؤية 2030"، باستثناء بعضها، ومعظم الجامعات تحولت إلى مصانع لتخريج شباب لا عمل لهم، بل لعل بعض أقسامها أصبح ضارّا بعد أن استنفد هدفه.

أما من ناحية دور الجامعات في محال البحوث، فحديث ذو شجون، فالبحوث في الجامعات لا دور لها في إثراء المجتمع والمشاركة في تطوره التقني والاقتصادي والاجتماعي، إلا فيما ندر، وباتت بحوثها محل التكدس على الرفوف حتى يتم التخلص منها مع السنين، دون وجود آلية للتطبيق العلمي، ولعل مردّ ذلك عدم وجود صلة وثيقة بين مراكز البحوث لدينا ومن يقوم بها، وبين قطاعات المجتمع المختلفة، وضعف الدور العلمي للقطاع الخاص، مما يجعله عاجزا عن تبني مثل هذه البحوث.

إن الجامعات في الدول المتقدمة تمثل العقل المفكر للمجتمع، والمخطط لمستقبله، ولعلي لا أتجاوز الحقيقة إذا قلت إن أكثر الخطط الإستراتيجية الغربية للهيمنة على العالم، خرجت من أكمام مراكز البحوث في الجامعات الغربية!

إن هذا الكمّ المتدفق من خريجي الكليات النظرية في جامعاتنا، ليدعو إلى العجب من إصرار هذه الجامعات على مواصلة "تفريخ" أفواج من الشباب كل عام، شباب لا عمل لهم، بينما ما زال الوافدون يحتلون حقولا كثيرة، رغم أنها مفاصل مهمة وخطيرة في التكوين الاجتماعي والتقني للبلاد، ولِندرك مدى خطورة الأمر علينا أن نسأل أنفسنا عمّن يقوم في بلادنا على المرافق التالية:

القطاع الصحي بما فيه من فنييّن وخدمات مساندة، الكهرباء وصيانتها، المياه والصرف وصيانتها، الهواتف وصيانتها، المنشآت الصناعية وصيانتها، المخابز وصوامع الغلال، المطارات والطيران والطرق؟!

ماذا سيحدث لو انسحب القائمون على هذه المرافق فجأة، لا قدّر الله، وكم يكلّف هؤلاء خزينة الدولة كل عام؟

لقد تغيرت الظروف، وأصبح من الضرورة الملحّة إعادة النظر في أهداف وأسس ورسالات هذه الجامعات.

إن إعادة هيكلة الجامعات تحتاج -بلا شك- في بعض نواحيها إلى تغييرات جذرية، ولا بد أن نملك الشجاعة على نقد الذات ومراجعة سيرتنا كل حين، فالوقت والظروف والحاجيات تتغير، وبالتالي تتغير الأهداف تبعا لذلك.