قبل فترة كنت أستمع مع المستمعين إلى شيء من تشكي الناس حول بؤس وتعاسة آلية تقييم الحوادث المرورية بالعاصمة المقدسة، وبقي هذا التشكي حاضرا في ذهني إلى أن مررت بما مر به المتشكون وخبرت ما خبروه..

الذي حصل كان عبارة عن حادث سير لابني داخل الحرم الجامعي لأم القرى، حيث داهمته سيارة منطلقة من الخط الفرعي بدون سابق إنذار فهشمت مقدمة سيارته قبل أن تستقر السيارة المهاجمة على رصيف مجاور محتضنة عمود إنارة فوق الرصيف! هكذا يفعل الحب أحيانا فيفضي لعناق مؤلم حد الألم!

كنت أقوم بإلقاء محاضرتي المعتادة لطلابي في الكلية عندما اتصل ابني وأخبرني أنه تعرض لحادث مروري وبعد الاطمئنان على الأنفس قلت له حرفيا صف لي ما وقع؟ ثم سألته سؤالين: الأول: هل كنت مسرعا؟ فأجاب بالنفي، والثاني: هل كنت تعبث بالموبايل أو غيره؟ فأكد لي أنه كان حاضرا بكامل حواسه، بيد أن انطلاقة السيارة الأخرى كانت أعتى من أي محاولة لتفادي الاصطدام!

انتهى حديثي مع ابني بارتياح حول خلو مشهد الحادث من أي تجاوزات مرورية من قبله، ليبدأ بعدها مسلسل العناء ومشوار الشقاء في مشهد ربما أصفه بالمثل الشعبي: "موت وخراب ديار".

وصل (نجم) إلى موقع الحادث والشمس في رابعة النهار وقام بالتخطيط للحادث والاستماع للطرفين ووصل قبله خلق كثير من المتجمهرين وأصحاب الفزعة والنشبة على حد سواء، وبعد حين صدر التقرير بأن الخطأ بالكامل يقع على كاهل السيارة المداهمة!

من هذه اللحظة بدأ ماراثون التعاسة لصاحب الحق (المصدوم) وبدأ وقت الارتياح لصاحب الخطأ (الصادم) متخذا الخطوات التالية:

انطلق (الابن) وانطلقت معه إلى المنطقة الصناعية، كان أصحاب السيارات المصدومة يلاحقون شخصا من الجنسية الباكستانية وهو يحوم بين السيارات المصدومة يحمل أوراقا بيد وكاميرا فورية باليد الأخرى، الأخ الباكستاني ينظر إلى السيارة ثم يصور ثم يقدر المبلغ ثم يطلب 40 ريالا أجرة لصورة لا تستحق الكاميرا التي صورتها أكثر من 4 ريالات!

انتهينا من هذه الساحة ثم طلب منا أن نذهب إلى ورشة أخرى ليست في ذات (البرحة) لإكمال تقدير قطع الغيار، نظر (المقدّر) للصورة وكتب القطع المطلوبة ثم طلب منا الذهاب إلى موقع آخر يوجد به أحد رجال المرور لتختيم الأوراق وطلب منا البحث عن محل قطع غيار، وتم تقدير القطع بقرابة 8 آلاف ونيف! وفي اليوم التالي أخذ الابن الأوراق واتجه إلى إدارة المرور للحصول على ورقة إصلاح سيارته، وتم إبلاغه أن عليه التوجه إلى مكتب التأمين للحصول على التعويض عن الأضرار الناجمة عن الحادث، وفي مكتب التأمين الذي يقع في حي يبعد حوالي 20 كلم عن مكان المرور بدأت قصة من نوع آخر ممتلئة باستغلال من شكل آخر، إذ إنه بمجرد أن وقعت عينا موظف التأمين على المبلغ بادر بالقول: أوه المبلغ أكثر من 5 آلاف وهذا يوجب عليكم الذهاب إلى شيخ المعارض في مكان يبعد 20 كلم عن موقعه لتثمين السيارة قبل الحادث وبعده، واتجهنا لشيخ المعارض وتم تقدير الأضرار بأقل مما قدرته الورش، فعلمت أننا دخلنا معتركا جديدا يتعدى الضرر النفسي إلى الضرر المالي، كما بلغنا أيضا بأنه يلزمنا الانتظار لمدة 14 يوما قبل أن تتم الموافقة وإصدار الشيك.

سأكتفي بهذا القدر من القصة "المنرفزة"، وأسأل سعادة مدير عام المرور بالمملكة هذه الأسئلة:

1 - هل هذه الدورة وهذا العناء لطلب تعويض عن حادث مروري؟ وهل هذا هو الإجراء الطبيعي في كافة مناطق المملكة؟

2 - هل تعجز الإدارة العامة للمرور عن التوجيه بإيجاد ما يسمى (مجمع الحوادث المرورية) في كل مدينة بحيث أجد أخانا الباكستاني وكاميراته وصاحب التقدير ومكتبه ورجل الأمن وختمه وصاحب قطع الغيار وجهازه ومكتب التأمين وموظفه في مكان واحد؟

3 - هل يمكن تأمين غرفة استراحة وجهاز صرافة في هذا المجمع أم أنه مستحيل؟

4 - هل من العدل أن المتضرر 100% في الحوادث شقي والضار 100‏%مرتاح ؟

5 - هل ما تقوم به شركات التأمين من استغلال للمتضرر ومزايدة على التعويض يقره دين أو منطق؟

6 - هل كل ما سلف من معاناة معلوم لدى الإدارة العامة للمرور؟

نسأل الله لنا ولكم وللجميع السلامة، ونعقد الآمال بأن يحمل المستقبل مبادرات حقيقية أكثر احتراما للمتضررين من الحوادث والسلام.