بأبوته الحانية وبساطته المعهودة وبأسلوبه الذي يأسر القلوب صدقاً، وحكمته التي لا تدور في أغوار الألغاز والأحاجي بل تكاشفك بصفاء السريرة سهولة ويسراً، وتصافحك بالحب في أنقى صوره وأقدس معانيه حبورا وودا، كان لقاء عيدنا بوالدنا وحبيب قلوبنا ملكنا الغالي أدام الله عليه نعمة الصحة والعافية وكفاه شر عروق الفساد كلها، إن بجسده الطيب أو بمن يريدون الفساد في دولته.

بقلبه الكبير بحجم الوطن نثر ورود كلمته الموجزة البليغة، فأهدى لكل فرد منا وردة تسقى بماء النقاء وترتوي ببهجة المحبة لتزهو بنداها مورقة مدى العمر، وبنقائه المعهود فرش لنا مكنونات قلبه الطاهر لنقرأ مقدار حبه وإحساسه بلوعتنا عليه، لا أراه الله مكروها، فأراح لجة السؤال وانتظار الرجاء بإطلالته الأبوية، واختارها عيداً لتكون لنا عيداً، بكلمة معبرة انتشينا بترديدها مع كل يد تصافح عيدنا، وتفرح لفرحتنا، وتسعد بصحة والدنا الحنون.

ولأنه ملك ملك القلوب بحبه لشعبه فأحبوه، تجاوز نصيحة الأطباء له بالراحة وأصر على تجديد حبه لنا في يوم العيد بكل شفافية "مادام أنكم بخير فأنا بخير" لتختلط عبرة الخوف على والدنا ببهجة عباراته الحنونة المغدقة بالمودة الأبوية المتواضعة، مجسداً ولاء عميقاً بين الوالد وأبنائه باعتذار أبوي شفيف، "أرجوكم تسامحوني لأني ما قمت بل صافحتكم".

خص والدنا الحبيب بناته المواطنات في العيد بهدية مباركة صافية من قلب سليم طاب بالحب، وتطيب بحسن الظن، وسما لسماوات المحبة، وتعلق بأهداب الجمال، فكانت مؤشر نزاهة صادقٍ للعلاقة بالمرأة، يحسن بالآخرين أن يتعلموه درسا يصاحبهم طوال حياتهم، "النساء ما شفنا منهن إلا كل خير" صدقت يا والدنا، فهن مصدر الخير وأصله، لكن البعض لا يرى فينا إلا انعكاس الفتن والشرور وصورة الشيطان ووسوسته وهو يحثهم على انتهاك الحرمات.

يا سيدي لعلهم يتعلمون منك ويفقهون النظر لنا بمداد الخيرية الذي خبرت به النساء ونعتهن به، لوددت لو كنت بمجلسك لألثم رأسك الكريم ويدك المباركة وأدعو الحاضرين والمشاهدين والمؤدلجين والمحتسبين بأوهامهم للتأسي بنظرتك الطاهرة العفيفة.

طابقت سيدي بين الخير والفساد فكانت البلاغة تفتح لك دهاليز الحكمة وتنثر شآبيب الخير على مجمل النساء وتقذف بالشر عنهن بعيداً، فكانت حكمة رقيقة مؤنسة لكل امرأة لعب الآخرون بتصويرها معبرا لذنوبهم وخندقا لتوهماتهم الآثمة، وأهددتنا بهذا الدرس العظيم طيب المسلم التقي نقي السريرة، الذي خصه الله بالفوز في الآخرة، "إلا من أتى الله بقلب سليم"، لعله إشفاق على حال المرأة وما يواجهها من حجب وتحجيم فأعلنتها في عيدنا بك لتشق بها الحجب، أن المرأة مصدر كل خير، نعم بارك الله حسك وطيبك ومد الله عمرك أعواما عديدة وأزمنة مديدة تصلح بها عطن العقول وفساد القلوب الهاربة من المرأة الفتنة والعورة والساقطة أيضا في براثنها "حيلة واحتيالاً"، وأحسَن بنقائك غث العقول الغارقة في أديم الفتن ما ظهر منها وما بطن.

صورتك معافى سيدي أبهجتنا وكلمتك المستضيئة بنور البصيرة استنهضت فينا الأمل بالحق والعدل، وبإصلاح يتجاوز واقعنا المادي إلى مدلهمات العقول، وهاهي قلوبنا المحبة لا تملك لغلاك سوى الدعاء بالشفاء والعافية، ولهداياك إلا الشكر والعرفان.

يحق لك يا ابنة الوطن بعد هذه الهدية الثمينة أن تنتشي بعبقها وتعيدي الثقة في نفسك طارحة ما أسيء به إليك في قواك وقدراتك، وتحجيم دورك بحصره بالمتع، وأن تنطلقي من ذاتك أولاً مستلهمة من التحدي الإقدام، ومن المستحيل الانعتاق إلى آفاق الثقة الرحبة بإنسانيتك ومواهبك، لتمتطي أكتاف الغيوم السامقة في سماوات العطاء بغيث إمكاناتك، وتبدعي على أرض الواقع بمواهبك وإنجازاتك، فانزعي عنك ستار الخديعة الذي كفنك به الموروث وأنت حية، أزيليه وانطلقي ببركة الخيرية التي استوحاها فيك والدنا لتثبتي أهليتك لها بالعطاء والمشاركة لأخيك الرجل، وأعيدي بإصرار ومواصلة صورة المرأة المسلمة المشرقة المساهمة في التغيير والإصلاح، وسيرعى الله خطواتك ويباركها بنيتك الطيبة لحمل مشعل المشاركة الوطنية، فها هي الكشافة بعد 68 عاماً على تشكيلها محتكرة للرجل، تسهم المرأة فيها اليوم بعطاءاتها الخيرية التطوعية في الحج، متفانية بخدمة الآخرين باعتبارها هدفاً حقيقياً للتربية الوطنية الصحيحة، فالأبواب تنتظر طرقك والقيود تنكسر بقناعاتك.

يؤكد وزير التربية والتعليم أن جميع المسلمين في الحج يدعون لملكنا حفظه الله: "كيف لا وهذا الملك الإنسان رجل سلام يخدم رسالة أمته"، صدقت هو رجل سلام للنفوس لتتصالح مع ذاتها أولاً، قبل أن يصالح بعضها بعضا، والأمة ليست رجالا فقط بل نساء ورجال يصنعون بالمشاركة نهضة الأمم وتقدمها، ويبنون متعاونين مدارج نهوضها ورقيها.

وختاماً أرجو قبول تهنئتي لكم بالعيد، ووترية عبقة لفنان العرب محمد عبده، فمن العايدين ومن الفايزين:

http://www.youtube.com/watch?v=oZS3ln-TIWk