هل هدف التعليم أن يكون المنتج، أي الطالب، مجرّد حجر آخر في الجدار؟ بالتأكيد كلا، ولكن الذي نراه ونلامسه الآن هو أننا نسعى من خلال ما نقدمه من مناهج وطرق تدريس ونوعية الاختبارات إلى إخراج منتج واحد بنفس المواصفات لا مكان فيه للتفرد والإبداع! نعم لدينا عدد من الشباب الواعد ممن تعرض لخبرات غنية وإيجابية من قبل معلمين ومعلمات متمكنين من مهاراتهم ويعشقون المهنة، ولكنهم قلة نسبة للعدد الكلي للمنتج النهائي للتعليم العام، فرغم أن الغالبية العظمى من الأطفال لديهم مواهب متعددة وعلى استعداد للتعلم والإبداع نجد أن الذي يحدث في مدارسنا ما بين دخولهم أسوار المدارس إلى وقت التخرج من الثانوية العامة يترك ذاك الأثر البليغ الذي نراه يتكرر مع كل دفعة جديدة!

قد نظن أو يصور لنا من قبل الإدارة المدرسية أن هنالك أنواعا مختلفة من طرق التدريس تقدم للطلبة، وهذا ما تروج له المناهج الحديثة التي فرضت عليهم، ولكن الذي يجري فعلا أن ما يقدم هو ما يتناسب مع شخصية أو خبرات المعلم السابقة، مما يعني أننا نادرا ما نرى خروجا عن النمط المعتاد في التدريس؛ بمعنى الالتزام بالمنهاج والتحضير للاختبارات، وأي خروج عن هذا الخط يعتبر تمردا قد يصل إلى حد الوسم بالخطر على الطلبة، مما يستوجب التوجيه والتحذير! نتعامل مع الطلبة كما نتعامل مع خط الإنتاج في المصانع، مراقبة وتوجيها وإجراءات متابعة وعمليات إنذار في حالة خروج قطعة عن المواصفات المطلوبة! فخط الإنتاج يجب أن ينتهي بالطالب إلى الدخول إلى الجامعة، وأي شيء غير ذلك يعتبر فشلا لجميع المعنيين!

للتنويه فقط هذه المقالة ليست ضد التعليم، بل ضد التعليم الذي هو دون المستوى المطلوب، ضد نظام صارم يقمع الإبداع لدى الطلبة بدلا من أن يحثهم على الإبداع! إنها احتجاج على فكرة أن الطلبة مجرد أوعية فارغة تنتظر أن تملأ بالمعلومات عن طريق مناهج موحدة بختم واحد للجميع! وضد معاملة الطلبة على أنهم مجرد أجهزة تدخل القاعة الدراسية فقط من أجل أن تتم برمجتها فينتهي بهم الأمر أن يصبحوا ليس أكثر من حجارة لا يمكن تمييز الواحدة من الأخرى في جدار بلا لون أو تفرد أو إبداع!

هل تعلمون ما يعني الجدار المكون من حجارة متماثلة في الشكل والحجم والنوعية؟ يعني منتجا غير قادر على التكييف مع المتغيرات، رافضا لكل شكل لا يشبهه، منتجا غير قادر على تحمل ضغط المنافسة رافضا للعمل الجماعي، يعتبر كل جديد خطرا على كينونته فيحاربه قبل أن يفهمه أو يحلله، وأن تحريك أي حجر من حوله سوف يهد الحائط ويقضي عليه!

كل الطلبة يستحقون التعليم المتميز، ولكن هل المنهج الموحد هو الحل؟ هل المقاس الواحد يناسب الجميع؟! هل أخرج لنا طلابا قادرين على معالجة القضايا المثيرة للجدل بموضوعية، متمكنين من مهارات التفكير المتعددة، مبدعين محبين للتعلم ومستعدين للانخراط بحيوية في المجتمع كعامل منتج يرتكز على المبادئ والأخلاق والتعاطف؟ أن نتوقع أن الجميع لديهم نفس الخبرات والقدرات وبالتالي التوقع بأن الجميع يجب أن يصل إلى نفس المستوى، أمر غير منطقي في ضوء الموارد غير المتكافئة من بنية تحتية وهيئة تعليمية وإدارية واستعدادات مادية! ثم هل التركيز على اختبارات المستوى يعد من الجودة؟! ألم تحول الكثير من مدارسنا إلى مراكز إعداد وتجهيز للاختبارات، وبدلا من التركيز على الطالب تم التركيز على الدرجات، فارتفعت النسب لديهم بينما انخفضت الجودة!

قد تغطي مناهجنا الكثير من المواد، ولكن هل يتم تذكرها، حتى من قبل الطلبة المتميزين، وهل يهتمون بما تحمله من معلومات، بل هل أُثبت لنا ولهم أنهم قادرون على استخدامها فيما بعد؛ كالتعليم الجامعي أو الحياة العملية؟ يجب ألا يكون التركيز على ما تجب معرفته من جميع الطلاب حتى نقوم بتدريسه، السؤال الذي يجب أن يسبق بل نستند عليه هو: هل ننظر إلى الطلبة على أنهم أوعية فارغة حيث يتم سكب المعرفة؟! وماذا عن الطلبة الذين ليسوا على المستوى الأكاديمي بل المهني؟ هل يتم أخذهم بالاعتبار أم يتم تجاهلهم وعدم القيام بتجهيزهم لسوق العمل؟ علينا أن نعمل على بناء مناهج متمايزة تأخذ في الحسبان الاختلاف بين الطلبة، بحيث تعطي كل طالب حقه من أفضل تعليم ممكن أن يقدم له حتى يكون مستعدا وقادرا على النجاح والإبداع والاستمرار في النمو والتطور فيما بعد.

إن ما نحتاجه في تعليمنا هو مناهج متنوعة تستوعب الاختلاف والتفرد والتميز، أن نخلق بيئات تسمح للطلاب بالسيطرة على تعليمهم ومتابعة تقدمهم، أن نقدم لهم الأدوات التي ستسهم في تنمية المهارات اللازمة حتى يتقدموا أكاديميا ومهنيا، أن ندعم اختياراتهم وننمي مواهبهم، أن نهيئ لهم هيئة تعليمية على درجة عالية من التدريب والخبرة الكافية لبناء وتعزيز بيئة جاذبة تشجع على أنماط التعلم المختلفة حتى لا تتم قولبة الجميع في شكل نهائي واحد، فنحن لا نريد أحجارا لجدران تُهد بعامل الزمن والطبيعة، بل نريد بذورا تنمو مع الزمن وفي قلب الطبيعة.