في عام 2001 اضطر البنك الدولي إلى إلغاء اجتماعات كانت مقررة في برشلونة وعقدها عبر الإنترنت، بسبب الخوف من ضغط المظاهرات التي تنظمها الجماعات المناهضة للعولمة.

وفي العام التالي لم تجرؤ أي دولة في العالم على استقبال الاجتماع السنوي لمجموعة الثماني، خوفاً من الحركات الاجتماعية التي بدأت بالنمو اعتباراً من عام 1999، وانتشرت في كل أنحاء العالم، وفي ذلك العام عقدت الاجتماعات في الدوحة عاصمة قطر، لأنها المدينة الوحيدة التي وافقت على استضافة الاجتماعات دون خوف من تعطيلها بسبب الاحتجاجات.

وحركات مناهضة العولمة كانت تعبيراً عالمياً لجيل جديد من أبناء الطبقات الفقيرة والوسطى في البلدان المتقدمة، وأبناء البلدان الفقيرة كلهم، وهي جاءت في أواخر القرن العشرين كرد على موجة الليبرالية الجديدة والتضخم الهائل الذي وصلت إليه الشركات العابرة للقارات، ووصول ميزانية بعضها إلى ما يعادل ميزانية دول قارة بأكملها، فبعض الشركات الأميركية زادت ميزانيتها في ذلك الوقت عن مجموع ميزانيات دول إفريقيا بأكملها.

وتعترض هذه الحركات على التقسيم الفاحش للثروة في العالم، والذي يدفع مليارات البشر باتجاه الفقر الشديد، فيما يزيد من ثروة آخرين بطريقة مجنونة، الجانب الجيد في العولمة والذي يشمل نشر المعرفة ورفع معدلات التنمية كان جانباً أسود من وجهة نظر هذه الحركات الاجتماعية، فهو في الحقيقة يصيب نسبة قليلة من البشر في دول محددة، بينما تظل الأغلبية محرومة منه، ومن ثمار العولمة.

وقد ظلت هذه الظاهرة تمتد وتتوسع، وتجد لها التعبيرات المختلفة في الشارع ثم في الإعلام والأدب والفن، وتشابكت مع الكثير من حركات المجتمع المدني، وربما كان أبلغ تعبيراتها حركة احتلوا وول ستريت التي اجتاحت مدينة نيويورك ومدنا أميركية أخرى.

على الجانب الآخر كانت هذه الحركات توصف بأنها حركات شعبوية غير ناضجة وغير مسؤولة، وكان المسؤولون الحكوميون في الدول الغربية يتعاملون مع هذه الحركات بحذر لكن باستخفاف، وكثيراً ما تم التقليل من شأن هذا النوع من المواقف، واعتبارها موجة عابرة ستصطدم بصخور الواقع وتتلاشى بالتدريج.

وعلى أرض الواقع كانت هذه الحركات تكتفي بالقيام بمظاهر الاحتجاج في هذه المدينة أو تلك أثناء انعقاد اجتماعات للدول الكبرى أو للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بينما بدأت برلمانات الدول التي فيها برلمانات فعالة وحكومات الدول الأخرى، بتشريع القوانين وتصديق الاتفاقيات التي ترسخ العولمة وتفرض قوانين التجارة الحرة، وتلغي أشكال الدعم المختلفة التي تقدمها لمواطنيها أو لشركاتها الوطنية أو لصناعاتها المحلية، وقلما نجت دولة في العالم من هذه الإجراءات، ومع ذلك لم تخفت الحركات المناهضة للعولمة، وتنوعت أشكالها وتعابيرها.

وبعد سبعة عشر عاماً على بدء هذه الحركة العالمية، اضطر ممثلو الدول الكبرى، أي ممثلو العولمة ذاتها للتفكير بنفس الطريقة، والبدء بحملة لمواجهة الحركات التي تواجهها، ففي اجتماعها الأخير الذي عقد الشهر الماضي في مدينة هانجشتو الصينية، أعلنت مجموعة العشرين تصميمها على محاربة "الهجمات الشعبوية" على العولمة، متعهدةً بمكافحة "الحمائية" وتشجيع بناء "اقتصاد عالمي منفتح، من خلال الابتكار".

 وقالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد إن مجموعة العشرين التي أُسِّست بعد الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، أكدت تصميمها على محاربة "الهجمات الشعبوية" على العولمة، عبر مزيد من الاتصال في شأن منافع التبادل الحر.

ووَرَدَ في البيان الختامي للقمة أن المجموعة "تؤكد مجدداً معارضتها كل أشكال الحمائية، في التجارة والاستثمار". وتطرّق إلى إغراق الصين، من دون أن يسمّيها، العالم بسلع، خصوصاً الفولاذ، منبّهاً إلى "الآثار السلبية على التجارة والعمال"، ولافتاً إلى "تشوّهات" في السوق. وقرّرت المجموعة إقامة "منتدى عالمي" حول الإغراق في مجال الفولاذ.

وأعلن شي جين بينج في اختتام القمة "اتفاقاً على دعم نظام المبادلات التجارية المتعددة الطرف، والتصدي للتدابير الحمائية".

وبذلك تكون الدول التي تمتلك أقوى عشرين اقتصادا في العالم، قد خضعت لنوع المعركة التي فرضها مجموعة من الشباب الغاضبين الذين لا يمتلكون سوى غضبهم وحماسهم، وبضع لافتات واستعداد للهتاف بما يؤمنون به، وربما تكون قد بدأت بوضع الخطط للرد على هذه "الهجمات الشعبوية" بطرق جديدة ومبدعة، ربما يكون منها أن تجمع رؤساء حكومات ومديري شركات كبرى، وتنزل بهم إلى الشارع ليهتفوا مع العولمة.