مارجريت آتوود كاتبة كندية وشاعرة وناقدة أدبية وناشطة في المجال النسوي والاجتماعي. ولدت في 1939، وهي إحدى أهم كُتاب الرواية والقصص القصيرة في العصر الحديث. من خلال كتابها "مفاوضات مع الموتى" سنعرف عن قرب ما تقوله آتوود، وما معنى أن تفاوض الموتى، وما معنى أن تكون كاتبا.

تقول عن كتابها "مفاوضات مع الموتى"، إنه كتاب يجعلك كمن ينقب في منجم، ومع أن عنوان الكتاب يبدو سوداويا وكئيبا ولا يعطي انطباعا بأنه كتاب، إلا أنه من ذلك النوع من الكتب التي تعمل كمرشد حقيقي لفتح بوابات للاستنارة الفكرية، والكتابة على طريقة العارفين بما تعنيه الكتابة.

يبدو للوهلة الأولى وكأنه عنوان روائي لقصص حزينة، أو لموتى لم تبق منهم إلا شواهد قبورهم، لكن هذا ليس حقيقة تلك المفاوضات، وهذا الكتاب الذي بحق هو منجم لكل ما هو ثمين، لمن هم على درب الكتابة، فهي تترك لنا تجربة 40 عاما من الكتابة.

تقول مارجريت: "الحقيقة هي أنه ليس ثمة قصص أرويها لأصدقائي تجعلهم يشعرون بشعور طيب. التاريخ لا يمكن أن يُمحى، مع ذلك يمكننا أن نهدئ من روعنا بتأمله". مقدمة الكتاب تحمل عنوانا محرضا كمعبر سرّي سمّته "عبر المتاهة".

مارجريت هنا تزيد من تأكيدها أن القارئ وصل إلى حدود مهمة، وبأن عبورها يعني الانتقال إلى مكان آخر ومختلف، ومن هنا يتضح سر مقولتها بأن الكتابة تتعلق بالظلام. من أدرك سر هذا المعنى أدرك حقيقة معنى أن يكون المرء كاتبا.

يمتد الكتاب في فصوله الستة -بما فيها المقدمة المدهشة- تحت عنوان المتاهة ثم فصل الخداع والتكريس والإغواء والمشاركة، ثم الفصل الأخير الذي عُنون به الكتاب "مفاوضات مع الموتى".

تُرى، هل كانت آتوود تعني كلمة الموتى تماما كرمز للصراع بين الكاتب وبين كل النماذج البشرية؟ يأتي بعد المقدمة أكثر الفصول إثارة وهو الفصل الثاني "الخداع"، تذكر فيه مارجريت وبكثير من العمق، أن كل كاتب بالضرورة يحيا عبر شخصيتين، شخصيته الحقيقة والشخصية الغامضة التي تختبئ وراء كتاباته، وعن ازدواجية الشخصية في جميع الكتب التي ينتجها، وبشكل أعمق تصف هذا الأمر بأنه حاجة مُلحّة للكاتب حتي يمكنه أن يمتد في كتاباته إلى أبعاد وأفاق مختلفة وبعيدة، فهو يمكنه عيش أكثر من حياة بشكل ذهني مدهش.

هذه المفاوضات التي وصفت بأنها مفاوضات مع الموتى هي كتابة عن الكتابة كمعنى، وليس عن كيفية الكتابة، إنه كتاب يتحدث إليك إن كنت كاتبا ليضعك في مواجهة حقيقة الأسئلة الكبرى: هل أنت تكتب لمجرد نشاط إنساني أم ما تقوم به مهمة إلهية، أم مهنة تمتهنها، أم عمل مضجر تقوم به لأجل المال؟ هل ما تكرس له ذهنك ووعيك هو فن واع، وما الذي تعنية لنفسك حين نقول كاتبا؟ أي نوع من الكائنات تتصور ما أنت عليه، أم أنك مؤمن بأن الكتابة في حد ذاتها فعلٌ ضد الموت، موت المعنى، موت الإنسان؟.