سهوب بغدادي



لنفرض أن قيادة المرأة أتيحت بدءا من الغد لكل مواطنة ومقيمة في المملكة تحمل رخصة سارية المفعول من بلد آخر.

لنأخذ ما سيحدث مع حصة على سبيل المثال. الحمد لله، لا أصدق يا نورة أني عشت لأشهد هذا اليوم. هيا لنحتفل بهذا اليوم العظيم، سنذهب إلى المطعم، ولكن ستكون هذه المرة الأخيرة لسائقنا العزيز كومار.

احتفلا وفرحا، وانتهت آخر ليلة تجرد المرأة من حقوقها الطبيعية منذ قديم الأزل.

ثم أشرق صباح الحرية، فصادرت حصة مفتاح الحياة من كومار وتقلدته بفخر "ما أجمل الحرية.. سأذهب إلى العمل، ولكن سأشتري قهوتي المفضلة أولا، لكي أبدأ يومي بنجاح"، ثم مضت بسلام مؤقت إلى أن خرجت من حدود حيّهم، فوجدت الطريق الدائري مزدحما، "نعم.. الدائري مزدحم كل يوم لأن الطريق الآخر مغلق للإصلاح هذا شيء طبيعي".

ثم خرجت من الزحام واتجهت نحو الدوار، تريثت قليلا لانتظار دورها ظنا منها أن الأولوية لمن بداخل الدوار، ولكن تفاجأت أن الثقافة المتعارف عليها هنا هي "من سبق لبق" و"أنت وشطارتك".

نفذت بجلدها من هذا الدوار كسائر الناس، وتنفست الصعداء، واطمأنت لأنها باتت قريبة من الخط السريع. دخلت الخط السريع ولزمت السرعة النظامية على مسار واحد، وكالعادة ثقافة الشعب طغت على كل نظام متعارف عليه: تفاجأت حصة بمن يأتي من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال في لمح البصر دون تنبيه الإخوة والأخوات الكرام على الطريق، ولو بومضة ضوء!

بعد ذلك، وصلت إلى تقاطع وأومأت برأسها قليلا، واختطفت نظرة يمينا ثم يسارا عند إشارة قف، ولكن جميع من كان خلفها أصبح غاضبا، وعبّروا عن ذلك بصوت "البواري"، لم تعلم حصة لم كل هذا الانزعاج. أنا فقط أتقيد بقواعد المرور والسلامة. حسنا سأنظر مجددا لأتأكد أنني لست مخطئة، ويا ليتها لم تنظر. لم تكن إشارة "قف" موجودة من الأساس.

اعتذرت حصة عما بدر منها، وأوقفت سيارتها خارج مواقف الشركة، لأن جميع المواقف محددة مسبقا لزملائها الرجال. لم تهتم كثيرا لذلك، لأنها بالفعل ستطالب بالمساواة في المواقف لاحقا، وستنجح بالتأكيد كما نجحت حديثا بأخذ حقها في القيادة.

هذا ما كان يدور في ذهنها حين كانت تبتعد عن سيارتها عابرة الطريق سيرا على الأقدام، ولكن هذه المرة كادت أن تصدمها سيارة ليست مسرعة كثيرا، ولكن حصة هنا كانت المخطئة، لأنها لم تراع المتعارف عليه، وتقف لتدع السيارة تعبر أولا، لأن الأولوية هنا لقائد السيارة وليس للمشاة!

في النهاية، حصة تتأسف وتقوم بالاتصال على أهلها لتطمئنهم، ثم تتصل على كومار لتعلمه أن يأتي ليأخذها بعد انتهاء الدوام كالعادة. ولكن تذكرت أن السيارة معها، فأخذت سيارة أجرة!.