جهاد عبدالمبدي



كثيرة هي التحديات التي واجهت الأمة الإسلامية منذ أن بزغ فجرها واستفاض نورها، والتي لازالت مستمرة وتواتر خطواتها باطراد مذهل في تسارعه دون حدود لأبعاده وتأثيراته حتى وقتنا الراهن، كالتحديات السياسية والتحديات الاقتصادية والتحديات الفكرية وغيرها الكثير، إلا أن أخطر هذه التحديات على وجه الإطلاق التي باتت تعصف بالأمة في تلك الآونة، تلك التحديات الفكرية، التي ابتدعها الغرب وأرسى دعائمها وأسسها، بهدف مسخ وطمس الهوية الإسلامية، وتصفية عقول أبناء الأمة وأفهامهم لتكون تابعة ومنقادة للأفكار الهدامة التي يروج لها أعداء الأمة بين آنٍ وآخر، والتي تنسلخ من القيم والأخلاق التي رسخها ديننا الحنيف.  فمنذ أكثر من عقدين من الزمان، تصاعد وتنامى التحدي الفكري والثقافي في ظل العولمة التي جاءت على إثر بروز النظام الدولي الجديد الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأميركية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانهياره وتفككه. حيث انطلقت هجمة شرسة وُجهت صوب المجتمع الإسلامي لتطويعه وفقاً للطريقة الغربية، التي قامت بتهيئة التربة المناخية الملائمة لتغريب العقل واحتلاله، وتفريغه من كل ما يمت للقيم والأخلاق والثقافة الإسلامية بأي صلة، واستبدالها بالقيم والمعايير والأنماط الفكرية التي تتجرد في جُلها من كل القيم النبيلة والفطرة السوية. إذ راحت دول الغرب تنفذ مخططاتها بمنتهى الهدوء والثقة والمهنية والاحترافية، لهدم وتقويض العقيدة والمنهج الإسلامي القويم، وإحلال الفكر المادي المجرد، والفلسفة المادية التي طغت على الحضارة المعاصرة بدلاً منه، فصارت الأنماط العقائدية وفقاً للتصور المادي البحت، من قبيل الشأن الشخصي، وصارت المعتقدات الدينية المترسخة داخل النفوس البشرية، في نظر هؤلاء ليست سوى انعكاسات سلبية ومباشرة للخرافات والبدع والهرطقة، التي لا ترقى إلى درجة السمو والقداسة التي يسبغها عليها ما لا حصر له من البشر على اختلاف مذاهبهم ومعتقداتهم. ويأتي حمل لواء الدول الغربية الدعوة إلى هذا الفكر، لأنها ترى من منظورها الخاص أن معتقداتها وثقافتها وفكرها هم النهج القويم لقيام الحضارة، وأن ما عداهم يبدو كسرابٍ يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، ورأت في الفكر والنهج الإسلامي الخطر الداهم، الذي ينبغي أن يفرغ من مضمونه، حتى تسود حضارتها وفكرها وثقافتها. لذا اتجه العالم الغربي نحو فرض هيمنته الفكرية والثقافية، والقضاء على النزعات الدينية والوطنية والقومية. ولتحقيق تلك الغاية المنشودة، سخرت هذه الدول قواها وأذرعتها وأجنداتها، وكافة الأساليب والوسائل المتعددة والملتوية، من أجل بلوغ غايتها وتحقيق آمالها وتطلعاتها.  ومن المؤسف، فقد نجحت مخططاتهم نجاحاً مبهراً في استقطاب شرائح متعددة من العالم العربي والإسلامي، وامتلاك عقولهم وألبابهم، وجعلهم يتحررون من قيود الدين والأخلاق والفضيلة والأعراف المرعية. فما لبثوا إلا أن صاروا أداة طيعة لينة يحركونها كيفما يشاؤون، فبتنا نرى الكثير من بني جلدتنا قد أضحوا ضحايا للتغريب الفكري، الذي أفقدهم هويتهم وانتماءهم لدينهم وأمتهم، انسياقاً وراء مخططات العدو التي تجنح نحو تفتيت وتفكيك الأمة الإسلامية، عقيدةً وثقافةً وتاريخاً وتراثاً، وإعادة صياغتها وفقاً للطريقة التي تلائم ثقافة وفكر العولمة.

ولمواجهة هذه التحديات والحرب الشعواء التي تستهدف القضاء على أي تكتل ووحدة تجمع شمل هذه الأمة وتعيد أواصرها المتينة بمصدر قوتها وعزتها، يتراءى لي العديد من الآليات والاستراتيجيات الناجعة التي إن تم تفعيلها على النحو الأمثل فستؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ومنها غرس فسائل العقيدة الإسلامية الصحيحة في وجدان أبناء هذه الأمة وتنشئتهم منذ الصغر على نهج دينهم القويم. ونشر وتنمية الوعي وقيم وسلوكيات وأخلاق هذا الدين في كافة مناحي الحياة المتشعبة. إلى جانب التوعية بمخاطر وآفات الأفكار والثقافات الهدامة التي تروج لها الدول الغربية، وترسيخ الاعتقاد بوجود فارق بين التعرف على فكر وثقافة وحضارة الأمم الأخرى، وبين اعتناق جل هذه الأفكار التي تتعارض مع قيمنا وثوابتنا الراسخة.