خالف عدد من المرشدين السياحيين في موقع آثار مدائن صالح ما تؤكده الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني حول أن المكان هو موقع قوم نبي الله صالح، إذ يفاجأ السياح بأن معظم المرشدين ينفون وبشدة علاقة نبي الله صالح بهذه الآثار.




على الرغم من أن الموقع الرسمي للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ينص في تعريفه لآثار "مدائن صالح" في محافظة العلا على أن الموقع الذي تم اختياره في عام 2008 كأحد مواقع التراث التاريخي التابعة لـ"اليونيسكو" ينسب إلى نبي الله صالح، وأنه عرف في القرآن الكريم بـ"الحجر"، إلا أن السائح الذي يأتي للمكان يتفاجأ بأن معظم المرشدين السياحيين المرخص لهم من قبل الهيئة ينفون وبشدة علاقة نبي الله صالح بهذه الآثار التي يفد لها سياح ومهتمون بالتراث من جميع دول العالم.




تناقض واضح

كان عدد من المرشدين السياحيين الذين التقتهم "الوطن" في موقع آثار صالح بالعلا نفوا أثناء شرحهم لتاريخ المكان أي علاقة للموقع بنبي الله صالح وقومه الذين كذبوا نبيهم وعقروا الناقة. وقال هؤلاء المرشدون: إن الواجهات المنحوتة في الحجر هي مقابر نبطية وليس لهذه الواجهات المنحوتة أي صلة بقوم ثمود الذين ينسبون للنبي صالح ممن حل عليهم العذاب، مخالفين بذلك ما ذهبت إليه هيئة السياحة والتراث الوطني في التعريف بالموقع، حيث أكدت علاقته بنبي الله صالح وقومه، ومخالفين أكثر الباحثين الذين أكدوا علاقة نبي الله صالح بموقع آثار مدائن صالح بالعلا، ومناقضين أنفسهم بالتعريف ببعض المواقع الأخرى التي يثبتون صلتها بقوم صالح مثل موقع "محلب الناقة " و"البئر" أو مسقى الناقة وجبلين متقابلين تعرف "بمحشر الناقة " بذات الموقع. ومنهم المرشد السياحي بندر الخالدي الذي قال لـ"الوطن": إن كافة الآثار المنحوتة في الحجر تعود للأنباط، وهم عرب وثنيون سكنوا المنطقة قبل 2000 عام. ونفى ما يعتقده الكثيرون بأن هناك علاقة للنبي صالح وقومه بالمكان، وقال: إن الباحثين لم يعثروا حتى الآن على دليل علمي أثري خلال الحفريات الأثرية التي قاموا بها على مدى عقود يعود بهم إلى أن الثموديين الذين بعث فيهم النبي صالح عليه السلام، سكنوا هنا. وعن نسبة المدائن إلى "صالح "قال الخالدي: صالح هو رجل ممن سكنوا المنطقة وعرفت المدائن باسمه، وهو ليس النبي المعروف. وهو ما أكده اثنان آخران من المرشدين السياحيين الذين كانوا في مواقع مختلفة من آثار "مدائن صالح".

وقال عدد من المهتمين بآثار العلا إن الخلاف حول الموقع قديم تجدد بعد فتوى هيئة كبار العلماء التي أفتت بتحريم الأكل والشرب في المواقع وتجنب السكنى بها، وضرورة إسراع الخُطى حين المرور عليه وحكمت بـ"ثمودية المكان" .




ليست مكان العذاب

يؤكد الباحث الدكتور تنيضب الفايدي في تعليقه على الأمر، أن الموقع له علاقة بنبي الله صالح وتعود تسميته له، غير أنه نفى أن تكون المدائن موقع القوم الذين نزل بهم العذاب بسبب عقر الناقة، ورجح أن المدائن ليست الأرض التي سكنها قوم ثمود الذين عقروا الناقة وحرم الأكل فيها والشرب. وأضاف: كل الأحاديث النبوية الشريفة التي قالها الرسول -عليه الصلاة والسلام- أثناء مروره بالحجر، وهو متجه لغزوة تبوك شمالا، لا توجد بها أي إشارة إلى أنه قصد قوم صالح.




رأي ضعيف

يرفض الباحث عبدالله الشنقيطي ما ذهب إليه المرشدون السياحيون في العلا من أن آثار مدائن صالح ليس لها علاقة بنبي الله صالح وقومه الذين نزل بهم العذاب، مشيرا إلى أن "هناك خلافا حول الموقع وعلاقته بقوم صالح، إلا أن القول بعدم صلته بقوم صالح ضعيف لا يرق أن يرجح على القول الأول الذي ذهب إليه بأن آثار صالح تعود لنبي الله صالح وقومه". واستغرب من الذين ينفون وجود علاقة بين نبي الله صالح وقومه بموقع الآثار المعروف بمدائن صالح.




لا تزوير لأي سبب

يوافق الباحث أحمد بن سلم على ما ذهب إليه الشنقيطي، وقال "لا يمكن أن ننفي العلاقة بين الآثار المعروفة ونبي الله صالح وقومه، ومن يقول بذلك خالف المصادر الدينية والتاريخية، ولا يصح أن يوظف الخلاف عن شخصية صالح الذي سكن المنطقة واشتهر بها لكي ننفي علاقتها بنبي الله صالح وقومه، فالآثار تاريخ لا يصح فيها إلا الصحيح، فلا تبدل ولا تزور، وأطالب المخالفين بالحيادية في نقل التاريخ للأجيال كما وصلنا دون تبديل أو ترجيح القول الأضعف لأي سبب كان.

لكن الباحث الدكتور خالد أسكوبي يميل إلى رأي المرشدين، حيث رجح أن المدائن ليس لها علاقة بنبي الله صالح وأنها تعود لحضارة الأنباط الذين سكنوا الموقع قيل 2100 عام، وقال من خلال النقوش النبطية ثبت لدى الباحثين أن الأنباط هم أول من استوطن الحِجر (مدائن صالح) وقاموا بتعميرها.




الجدل بسبب تعاقب الحضارات

يعقّب نائب الرئيس للآثار والمتاحف بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الدكتور حسين أبوالحسن على هذا الجدل من خلال عدة نقاط طرحها في رده على تساؤل "الوطن"، حيث قال: الحجر "مدائن صالح" تقع على بعد 22 كلم شمال شرقي العلا، وورد ذكرها في عدد من سور القرآن الكريم، ويطلق اسم الحجر على هذا المكان منذ أقدم العصور. ويستمد شهرته التاريخية من موقعه على طريق التجارة القديم الذي يربط بين جنوب شبه الجزيرة العربية والشام، ومن أصحابه المعروفين قوم ثمود الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم بأنهم رفضوا دعوة نبي الله صالح -عليه السلام- وعقروا الناقة التي أرسلها الله لهم آية.

وأضاف: تعاقبت على مدائن صالح (الحجر) عدة حضارات بعد قوم ثمود فقد سكنها اللحيانيون والأنباط الذين اتخذوها عاصمة جنوبية لدولتهم التي فرضت نفوذها على شمال غربي الجزيرة العربية وكانت البتراء عاصمتهم الشمالية. وعن سبب تسميتها "مدائن صالح" قال أبوالحسن: أصل تسمية الحجر بمدائن صالح أو مدن صالح أو مدينة صالح كان ذلك منذ القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي، حيث ذكر ابن ناصر الدين محمد بن عبد الله نقلا عن أبي محمد القاسم البرزالي (ت سنة 739هـ/ 1338م) "مدائن صالح التي بالقرب من العلا على طريق الحاج من الشام بلد إسلامي، وصالح المنسوبة إليه من بني العباس بن عبدالمطلب. وبعد انتشار الإسلام في بقاع العالم عادت الحركة والنشاط إلى طريق التجارة القديم الذي يمر بالحجر (مدائن صالح)، حيث سلكته قوافل حجاج بيت الله الحرام القادمين من بلاد الشام وما حولها، قاصدين بيت الله الحرام في مكة المكرمة ومسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة. وبذلك أصبحت الحجر محطة من المحطات التي تقف فيها قوافل الحجاج للاستراحة والتزود بالماء والزاد. ويحتوي الموقع على قلعة إسلامية وعدد من مباني محطات سكة حديد الحجاز الممتد من دمشق إلى المدينة المنورة، وكانت مدائن صالح إحدى محطاتها الرئيسية، بالإضافة إلى المقابر والآبار المنحوتة بالصخر والمنطقة السكنية التي تتوسط موقع الحجر.