أثار كتاب صمويل هنتنجتون عن صدام الحضارات 1989 الكثير من الضجة وعلامات الاستفهام حين صرح مؤكداً على أهمية الثقافة كعامل أساسي للتنمية والصدام بين الجماعات البشرية، وأن الصدام الأساسي في العالم الجديد حالياً لن يكون في المقام الأول للأيديولوجيا أو الاقتصاد، لكنه سيكون ثقافيا. بينما لم تثر أية علامات استفهام على الجانب الآخر من العالم حين ناقش مجلس الشورى تقرير لجنة الثقافة والإعلام والسياحة والآثار بشأن إعادة دراسة ما تضمنه بند قرار مجلس الشورى المتضمن إنشاء مجلس أعلى للثقافة في المملكة، تكون مهمته صياغة سياسة المملكة الثقافية والإشراف على تطبيقاتها، حيث أقر مجلس الشورى بعدم مناسبة إنشاء مجلس أعلى للثقافة في المملكة، وقد يكون قراراً صائباً في ظل وجود الكثير من اللجان والهيئات الحالية، ولكن يظل التطلع إلى فتح ملف الثقافة بعيداً عن اللجان والمسميات من أكثر الملفات أهمية لكونه أحد أهم عوامل التنمية المجتمعية والمستدامة.
المجلس يرى عدم مناسبة إنشاء مجلس أعلى للثقافة، وربما لم يكن ملف الثقافة كعامل تنمية سوى ملف إداري نظري لا أكثر، وليست حركة الثقافة أكثر من بند يطفو على السطح الاستشاري ويتم التعامل معه من خلال اللجان، بحيث أنه يخلص إلى نتيجة (عدم مناسبة كذا)، وبعيدا عن اللجان ومهامها فيما يتعلق بإحداث تغيرات جذرية تتعلق بالثقافة.
على المجلس أن يفكر بشكل منهجي وجاد بخصوص الثقافة ووضع الثقافة في صميم سياسة التنمية والاقتصاد، وهو ما يشكِّل استثمارا أساسيا في مستقبل الحياة الفكرية والثقافية لدينا.
من الصعب أن نتصور رفضا للأدوار الكبرى المتوقعة من الحركة الثقافية، كما من المؤسف تجاهل تأثيرها على المجتمع وعلى التنمية في كافة أبعادها اقتصادية أو فكرية على حدِ سواء. والحقيقة أنه لا يمكن لمجتمع اليوم أن يتطوّر وهو ينتمي للأمس في الوقت نفسه، أو يكتفي بالمتاح الموجود ولا يطوره أو يمنحه صلاحيات التقدم، في الوقت الذي أصبحت الثقافة هي التي تميز الشعوب عن بعضها.
إن المسافة بين ما أثاره هنتنجتون عن صدام الحضارات وكون الصدام بين الحضارات سيكون ثقافيا وبين ما يصرح به مجلس الشورى ولجانه في كل مرة بخصوص الثقافة، لهي مسافة حادة ومربكة ومشوشة، حيث إن ملف الثقافة في مجلس الشورى بقي -لسنوات- الملف الأقل إحاطة بأهميته، واقتصر حضوره على تطلعات هامشية على مسار التنمية المجتمعية، فلم يقدم المجلس سياسيات استثمارية بخصوص الثقافة أو تحريكها للانتقال إلى مرحلة الانتماء لروح العصر.