كانت وما زالت الجامعة عبارة عن انتقال من الاعتماد على الغير إلى المسؤولية وحرية اتخاذ القرار، بدءا من اختيار المجال التخصصي مرورا باختيار المواد إلى اختيار الأنشطة والأندية، فالجامعة ليست فقط قاعات للمحاضرات نحضر ونشارك ثم نعود لمنازلنا، إنها من المفترض أن تكون مجتمعا مصغرا يعكس المجتمع المحلي بجميع شرائحه وتنوعه الثقافي والفكري والمذهبي والديني، فإذا قمنا بتجاهل أو إهمال هذه الأرضة الخصبة وعملنا على تقييدها نكون بذلك نقوم على تقييد المجتمع نفسه! ليس هذا وحسب، بل حرمان الطلبة والطالبات وحتى الهيئة التعليمية والإدارية من العيش في رحاب كيان حيوي ديناميكي يدفع للوعي، وبالتالي العمل على مواجهة التحديات بحرية وانسيابية تسهم في خلق الإبداع الذي يؤدي إلى إيجاد الحلول.

لا تستطيع أن تكمل مسيرتك الجامعية إن تعاملت مع الجامعة كبيئة، حيث تكتسب المعلومات والمهارات فقط من أجل الدرجات والشهادات، فهي ليست كذلك، بل إنها البيئة، حيث تتدرب على تحمل المسؤولية من خلال البحث والتحليل وتطبيق ما تعلمته، إنها المكان الذي يجب أن توازن مسؤولياتك وترتيب أولياتك، والفترة التي سوف تفرض عليك اتخاذ قرارات أدبية وأخلاقية لم تواجهها من قبل، فمن المتوقع أن تتحمل مسؤولية كل ما تقوم أو لا تقوم به من خيارات وقرارات.

إن الفرق ما بين التعليم العام والتعليم الجامعي أنك تعامل كشخص بالغ، وهذا لن يتم إلا بناء على سلوكياتك وتصرفاتك داخل وخارج الحرم الجامعي، أي أنك تقوم بالسيطرة على كيفية قضاء الوقت وتقسيمه ما بين الدراسة والأنشطة والحياة الخاصة، فلا أحد سيقوم بدورك عنك، وبالنهاية ما تتحصل عليه من درجات هو نتيجة جهدك وتفاعلك، وبالتالي لا تتوقع من الأستاذ الجامعي أن يعلم لك المقاطع المهمة في الكتاب أو يسلمك ملزمة ملخص المادة، وما يشرحه خلال المحاضرة أو يقدمه من خلال العرض التقديمي أو أي أسلوب تقني آخر هو إضافات على ما يجب أن تكون أنت قد قرأته وجهزته قبل الدخول للقاعة، وذلك من خلال الالتزام بما جاء في المخطط الدراسي، وقد يقوم الأستاذ بوضع بعض المعلومات على اللوح، لكن هي ليست تلخيصا بل يجب عليك أن تسجل كتابيا كل ما يقوله خلال المحاضرة كمادة إضافية تعود إليها وقت المراجعة الأسبوعية أو المذاكرة للاختبار، والأهم هنا أن دورك هو أن تفكر، أن تحاور، أن تناقش، أن تسأل وأن تطبق ما تعلمته في مواقف جديدة أو لحل أنواع مختلفة من المسائل أو التحديات.

وكما تقدم الجامعة خدمات تعليمية يجب أن تقدم الخدمات المجانية المختلفة وتعتمد على تأكيد السرية في الحالات التي تستوجب ذلك، وأن تقوم على تأمين الوسائل التي تسهم في أن يتوصل إليها الطلبة بسهولة، وكأمثلة للتعداد وليس الحصر لمثل هذه الخدمات: تقديم الاستشارات النفسية، والرعاية الصحية، والاجتماعية، والإعاقة، والدعم الأكاديمي، والخدمات القانونية، وتأمين السكن والمواصلات، كما يجب أن تحمي خصوصية الطالب، فليس لأي إنسان الحق في الاطلاع على أي معلومة تخص الطالب، ولا يسمح لأي فرد غريب كان أم قريب بأن يتحدث إلى الهيئة الإدارية أو الهيئة الأكاديمية عن أي شأن يخص الطالب دون علمه وموافقته خطيا زيادة في التأمين والحرص.

ويجب أن تؤمن الجامعة قوانين تسهل إنشاء الأندية المختلفة التي تتسق مع الاختلافات في الرغبات والمهارات والهوايات، بحيث تكون هذه الأندية مستقلة ماديا وإداريا في وضع أطر القوانين والبرامج وطرق تنفيذ الفعاليات، من انتخابات طلابية إلى الرحلات والأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية والفنية، وعليه فدور الطالب هنا ألا يكون مجرد عابر سبيل في رحاب الجامعة، بل ناشط يؤثر عند اتخاذ القرارات الجامعية كما يتأثر، بما أنه جزء من العملية التعليمية فدوره يجب ألا يكون المتلقي، بل المشارك بدءا من الرؤية والرسالة حتى ما بعد التخرج بالانتماء والدعم، وكلما كانت خبراته الجامعية حيوية وفاعلة كلما كان عطاؤه في المجتمع مثمرا ومنتجا.

بالنسبة للطالبات نضيف إلى كل ما سبق أن الجامعة ليست سجنا بأسوار عالية تفصلهم عن المجتمع المحلي، وليست لفرض القوانين التي تكبل تحركاتهن من دخول أو خروج، والجامعة ليست لملاحقة الطالبات على الزي والهاتف ولون أو قصة الشعر، فإن المرء إن أراد فعل شيء لن يوقفه سوى أخلاقه وضميره، وللبنات ظروف مختلفة في المنزل أو الأسرة، فلا تستطيع أن تقيد الأغلبية بمخالفات الأقلية، ولا تستطيع أن تحكم على سلوكيات البعض لمجرد المظهر الخارجي، فنحن لا نعلم ما الضغوط التي تحاصرهن كإناث في أسرهن قبل الالتحاق بالجامعة أو ما زلن يتعرضن لها. هن أمانة لدينا نعم، ولكن أمانة لنطور ونرتقي بها وليس لنعزلها ونخنقها، هن أمانة لدينا نعم، ولكنهن أيضا شخصيات مستقلة بإرادة وآمال وأحلام وتطلعات يجب أن تحترم، فإن كن غير مرتاحات في الحرم الجامعي ويشعرن بالغبن والمضايقات كيف إذن نتوقع منهن أن يركزن على التعلم واكتساب المهارات المطلوبة؟! يجب أن يؤلمنا الدمع في أعين طالبة هي ليست سوى برعم واعد للإبداع، يجب أن يفزعنا أن نجد من يصنف الطالبات ما بين ملتزمة ومن تحمل مبادئ الانحراف أو حتى منحرفة! يجب أن نحتضن الجميع ونفتح لهن آفاقا للانغماس في الحياة الجامعية كما يجب أن تكون، مفعمة بالحياة، حيث التقاء العقول وتلاقح الأفكار، حيث يواجه التحدي بالإبداع، وحيث يصنع التوحد من رحم التنوع.