الرواية تخيّل جميل لقبح الواقع. كان هذا هو المبدأ الذي تقوم عليه مسلمة الرواية عند الكاتب اليمني محمد الغربي عمران الذي أصدر رواية "مصحف أحمر"، وهو العمل الأول للكاتب. الرواية شكلت جدلا واسعا حين صدورها، وهو رد فعل محتمل حين تصدر الرواية من قبل كاتب يتعاطى في مجالي السياسة والأدب، الأمر الذي لا يمكن التخلص منه لدى أي كاتب ينتمي لهذين الاتجاهين، والغربي عمران، وهو كاتب يمني، عاصر بعمق كبير الصراعات الثنائية التي طالت الإنسان اليمني قبيل فترة الحرب الحالية.

صدرت رواية "مصحف أحمر" في 2010 فكانت توثيقا لصراع العلمانية والأصولية وصراع اليمين واليسار والشمال والجنوب، وحروب القبائل والعشائر مع السلطة والمعارضة، هذا المزيج الذي أسس لصراع خفي تمدد حتى بات المتن الرئيسي للرواية تخلله سرد مكثف لحياة الشخصيات والحوادث التي دفعت بهم إلى تغيير انتماءاتهم السياسية، بل إلى الوقوف موقفا متغيرا من التشدد الديني والثورة، ولا تخلو رواية من قصص الحب التي تتسلل إلى متن كل رواية تماما كما يتسلل الحب بكل مفارقاته في خضم الحياة البشرية.

أثار عنوان الرواية "مصحف أحمر" ردود فعل كبيرة، فراوحت الرواية بين القبول والمنع في الكثير من المحافل الأدبية، ويعود معنى "مصحف أحمر" إلى الجزء الأكثر أهمية في الرواية لشخصية العطوى الجد الحكيم الذي أراد أن يجمع بين كافة المعتقدات والديانات التي عرفها البشر في مصحفه الأحمر، معتقدا أنه هذا ما يجب أن يكون حتى يعيش البشر بسلام، وأن على هذا المصحف أن يكون حلاً للصراعات والحروب التي تنطلق من معتقدات مختلفة ومتفرقة من مرجعية دينية بحتة.

تظل الرواية مزيجا من حياة مناضلين مؤمنين بالحرية والعدالة والمساواة، والحب، هكذا يتداخل الحب في السرد وفي الثيمة الروائية كما هي سمة الروايات التي مزجت بين الحرب والحب. الروايات التي خلدها التاريخ كما في رواية دكتور زيفاجو للكاتب "باسترناك" التي وثقت للحب والحرب العالمية الأولى ثمّ الأهلية ثم الثورة البلشفية في روسيا، ويبدو أن روايات الحب والحرب تسير باتجاه متشابه لكشف العميق عن حياة الشخصيات التي تأثرت منفردة بالسياسة والحرب كما في الرواية الشهيرة "ذهب مع الريح" التي كانت أيضا مزيجا من حكاية الحرب الأهلية بين ولايات الشمال وولايات الجنوب في الولايات المتحدة، وكما في رواية باب الشمس للكاتب اللبناني إلياس خوري، حيث يكون الحب والحرب ملحمة الإنسان.

"مصحف أحمر" رواية نقلت الشخصيات من أرض الواقع إلى مساحة الورق، حيث قام الروائي محمد الغربي برسم لوحة مقروءة في بعد حكائي رسم بدقة ملامح الأمكنة والأزمنة واستنطق الشخصيات، بحيث لا تكون الرواية مجرد توثيق لتاريخ عايشه، بل هي صوت مستنطق لحياة الناس الذين عايشوا الحرب والحب والثورة، حيث تنتصر الحياة وينتصر الحب، بينما لا يزال الثوار والمحاربون يتكاثرون وينمون في الجبال وينتمون للحرب بدلا من الحياة.