لم أجهد نفسي بالبحث عن أول من أقرّ تدرج المراحل الدراسية بهذا الأسلوب، كل ما أعلمه أن هذا الشخص أو تلك المجموعة قد طرحت أسلوبا يتوافق تماما مع دور المنظومة التعليمية "الحقيقي" في بناء شخصية الطفل المتعلم حتى يشب.
ففي المرحلة الابتدائية -وأنا هنا أتحدث عن الجانب التربوي لا التعليمي- يعطى الطفل مفاتيح الأخلاق الإنسانية كالصدق والأمانة... وهكذا، وفي المرحلة المتوسطة "الإعدادية" يتم إعداد المراهق لمرحلته القادمة وبناء ميوله العاطفية والفكرية، ثم يتبعها في المرحلة الثانوية صقل وتنمية لهذه الميول وإعداد شخصية المراهق لشبابه ولاستقلاليته القادمة، من ثم يقبل الشاب على ما اعتقد أنها أهم مراحله التعليمية والتربوية وهي المرحلة الجامعية.
ويرجع سبب هذا الاعتقاد إلى كوننا "لم نصل إلى مرحلة بناء الموظف المتشبع بالأخلاقيات العملية قبل بقية الأخلاقيات والمبادئ الخارجة عن نطاق العمل"، وهذا ما تتكفل ببنائه المرحلة الجامعية في شخصية المتعلم، فهي تعمل على ترسيخ أخلاقيات الأعمال في الطالب، وإعداده بالصورة التربوية التي يتطلبها سوق العمل السعودي.
اليوم وفي أغلب الجامعات السعودية يتم هدم كافة الأخلاقيات المنشودة من قِبل سوق العمل؛ فالمنظمة التعليمية غير المعتمدة على الكفاءة والشفافية لا يمكن أن تنتج موظفا صالحا يسير وفق أدبيات العمل المطلوبة، فكيف يتم ترسيخ هذه المبادئ والأدبيات من منظمة تعليمية تتقاسم فيها القبائل أقسام الإدارات وعمادات التخصصات لا بالكفاءة، بل بحسب ما يُختم به اسم الموظف؟ وكيف يحقق الموظف متطلبات سوق العمل إذا كان ذاته نتاج جامعة يقوم أحد مسؤوليها بتوظيف كافة المنتمين إلى عائلته الكريمة؟!
هذه التساؤلات تحتاج إلى إجابة عاجلة قبل الشروع خطوة واحدة نحو الرؤية القادمة لسوق العمل.
كنت أحد أولئك الذين عقدوا حاجبيهم عندما تم دمج وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم لا من باب الامتعاض فقط، بل لعلمي بأهمية هذه المرحلة التعليمية في حياة الموظف السعودي، ولما لدي من اطلاع بكمّ الفساد الإداري الهائل الذي تحويه الجامعات، والذي يتطلب لمعالجته إشراف وزارة مستقلة ذات صلة وثيقة بالهيئات الرقابية، وإن كنت لا أستطيع التقليل من مجهودات معالي وزير التعليم إلا أن إدارته الحالية لا تزال تعمل بمنهجية وزارة التربية والتعليم، وتكرس كافة جهودها في إدارة مراحل التعليم الأولية "فقط"، وهذا النوع من النهج الإداري هو للأسف المشجع على استمرارية فساد الجامعات وإن كان (حتما) غير متعمّد أو مقصود.