كانت فعاليات ليالي الرواية التي أقيمت الأسبوع الفائت في مركز الملك فهد الثقافي مبادرة مميزة في تفعيل الدور الثقافي، وخلق فضاء ومساحة أكبر لتحركه، وبلا شك أن اختيار الرواية محورا لهذه الليالي كان اختيارا موفقا. حفلت الليالي على مدار يومين بملف مهم عن الرواية واستشرافها ومجالاتها وأهميتها وجدواها، وكانت في مواجهة ومكاشفة لآلياتها ومنطلقاتها. كما حظيت بإشراك المثقفين في الحراك الثقافي وجعله جزءا من التنمية الثقافية، وهو أمر بالغ الأهمية، خاصة في مدينة كبرى مثل العاصمة الرياض.

لكن، كان هناك مأخذ على مثل هذه الفعالية، وهي قلة الحضور والمشاركة، وهذا أمر لا يمكن إنكاره وتجاهله، وهو متوقع ووارد على مستوى الثقافة العربية بشكل عام، فليست كل فئات المجتمع تتفاعل مع الحدث الثقافي بشكل فاعل. هناك وفي كافة المناشط الثقافية قصور في التواصل الفعلي، لكنه لا يلغي الحضور المتفرد ووجود المشاركين الذين يملكون الجدية والشغف الكافي لإثراء الثقافة.

لدينا كفاءات جادة في النقد والرواية والشعر، قادرة على تفعيل الدور الثقافي بشكل كبير هدفها أن نقترب فعليا من الرواية ومن كل الأسئلة العالقة حول أهميتها ودورها في الثقافة كممارسة وكفعل حياة. وهذا ما وفق له الأساتذة والروائيون المشاركون بحيث إن الطرح الجاد كان من الأهمية بمكان كي يشكل مواجهة جادة في معنى أن تكون الرواية جديرة بأن يطلق عليها فن روائي أو خلاف ذلك من خلال الاشتغال على آليات مشروع الرواية وجدواه واستثماره، ولماذا ينظر له على أنه مجرد إصدار ورق بين غلافين لمواجهة واقعنا الروائي وما ستصير إليه بأسئلة حقيقية.

إن تقبل النقد على هذا النحو الحاد والجاد في الوقت نفسه هو بالنسبة للمعطى الثقافي أمر في غاية الأهمية. وهذا هو تماما ما ينبغي أن تكون عليه مصداقية النقد وليس جلد الرواية كما يعتقد البعض. في المقابل لم يخلُ الأمر من ظهور نموذج للمثقف الأكاديمي الذي يحرص على تلميع وجوده داخل المجتمع الثقافي والتسويق النقدي على حساب المشروع الروائي، وهو ما بادر به الدكتور حسين المناصرة الذي اختزل المشروع السعودي الروائي بمراحله كلها من حيث نجاح التقنية السردية والتجريب والصنعة الروائية في رواية وحيدة فقط، ويا للمصادفة أن تلك الرواية هي لأحد الحضور في الصفوف الخلفية في تلك الليلة!

النقد الوافد الذي ضلل المشروع الثقافي لدينا يعيد إنتاج ذاته وتواجده، وهو ما تحدثت عنه في كتابي الثابت والمتحول تحت عنوان النقد المضلل، والنقد الوافد، وهذا كثيرا ما يحدث في مناشطنا الثقافية وما لم نعد حقيقة بحاجة له في ظل الوعي الروائي والنقدي الجاد الحالي.

إن المثقف والروائي السعودي اليوم لم يعد بحاجة للناقد السوبر الذي يعمد إلى التلميع الإعلامي الذي يعوق ويطمس جهود المثقفين الحقيقيين. فالرواية السعودية اليوم أصبحت مشروعا ثقافيا يتنامى بجدية، وليس بحاجة إلى لعبة الأدوار النقدية المحسوبة التي لم تعد إلا ورقة خاسرة لتعامل المثقف الأكاديمي مع فعالياتنا الثقافية.