بقي الكثير من مؤسسات النفع العام وحتى الجمعيات المهنية والخيرية دون تحقيق إنجازات تؤكد نفعها للآخر، وذلك لأن العواطف أو تحزبات بعض أعضائها هي التي قادتها إلى تشكيل مجالس إداراتها أو لجانها وفرق عملها، والواقع هو الذي نقرأ معه تلك الحقيقة المؤلمة للقطاع الثالث غير الربحي الذي تعول عليه كل سياسات الدولة وخططها في أن يكون قطاعاً منتجاً وتنموياً ومساهماً في الناتج المحلي، ومستوعباً لخطط التوطين والتمكين التي أطلقتها ضمن برامج التحول الوطني.

والجمعية الوطنية للمتقاعدين ليست ببعيدة عن الحقيقة التي وقف عليها المجتمع بكامله إن لم تكن أقل من ذلك وخلال عقد أو يزيد من عمرها، والمستغرب هنا أنها تعتبر في عُرف كل العاملين والمتقاعدين هي سيدة مؤسسات النفع العام، وموطن خبرة كل القيادات التي تخرجت من القطاع العام بشقيه المدني والعسكري، وكذلك القطاع الخاص، وتعتبرها كل المجتمعات وفي كل الأوطان أنها هي أرض الخبرات ومصنع القدرات ومنبع الاستشارات، وأن فشلها إن تم إنما هو فشل لجمعيتها العمومية ولمجلسها لأنه لم يختر لها من أعضاء الجمعية العمومية الأفضل، ولم يرشح لقيادة المجلس الأكفأ، ولم تدر لجانها وفرق عملها بروح الفريق الواحد، ولم تقدم فيها مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد، ولم يطبق فيها الحديث الشريف "خير الناس أنفعهم للناس"، ولا حديث "أحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله"، وعيال الله كما جاء في الحديث خلقه سبحانه وتعالى، لم تطبق فيها روح المسؤولية الاجتماعية التي تعتمد على جلب أقصى النفع أو دفع أقسى الضرر.

الجمعية الوطنية للمتقاعدين مقبلة على انتخابات جديدة لمجلس إدارتها وخلال أيام قلائل، وقد ترشح لعضوية مجلس إدارتها العشرات من أعضائها، فإن على الجمعية العمومية والأعضاء العاملين استعادة إفرازات وإنجازات السنوات الماضية، وماذا تحقق فيها من إنجازات في دورتها الأولى، ومن فرقة وشحناء وإقصاء للرأي الآخر في الدورات التالية، وعليهم أن ينطلقوا بفكر مختلف بعيدا عن التحزبات والمصالح الشخصية، وأن يختاروا من المرشحين المتقدمين صاحب السيرة العطرة في خدمة المجتمع، ومن يملك حساً إنسانياً دقيقاً، وكذلك من يملك رؤية نحو استثمار جهود المتقاعدين، وإعادة تدوير خبراتهم بما يفيدهم ويفيد المجتمع بكامله والوطن بصفة عامة، وتحقيق تطلعات ولاة الأمر في الاستفادة من قدرات وخبرات كل القادرين من المتقاعدين والمطالبة بحقوقهم، وعليهم أن يختاروا من يملك نشاط بدنياً وعقلياً وهمة وفكرا خلاقا، ويملك علاقات عامة وقبولا في المجتمع يقوده إلى تنمية موارد الجمعية المالية، ومن ثم استثمارها بما يفيد لكي ينعم المتقاعد في بقية حياته بشيء من التقدير والرعاية والترفيه، وعلى أعضاء الجمعية العمومية أن يضطلعوا بدورهم الحقيقي من خلال البرنامج الانتخابي للمرشح ومعرفة قدراته على تحقيقه، فليس كل ما يكتب دليل على قدرة كاتبه.

ختاماً، فترة المجلس ستكون أربع سنوات، وهي كافية أن يتحقق الكثير من الآمال للمتقاعدين إذا أحسن الاختيار لعضوية المجلس، ومن ثم رئاسته وبقية مناصبه، وهذا ما نتطلع إليه، أما تكرار الخطأ وفتح الجراح من جديد فسيحقق المزيد من البعد عن الجمعية، ولن تنجح في تنمية أعداد المنضمين إليها، ويكفي أن نعلم أن عدد المتقاعدين في المملكة تجاوز المليون متقاعد ومتقاعدة، والأعضاء العاملون لم يصلوا إلى 1% من عدد المتقاعدين، ولن يتحقق للمتقاعد ما يأمله في جمعيته.