حين سأل أحدهم الروائي العريق تولستوي ذات مرة: كيف يستطيع الإنسان أن يكتب رواية بشكل جيد. قدم له نصيحته قائلا له: على الكاتب ألا يكتب مطلقا عن موضوع غير مشوق، وأن على المرء أن يكتب فقط حينما يترك قطعة من لحمه في المحبرة في كل مرة يغطس قلمه فيها، أي حينما يشعر بعمق شعورا حقيقيا.

إن الكتابة الروائية هي فعل حب وإيمان محب، ولا أحد يقرر أنه سيحب في اليوم التالي أو في اليوم كذا وبالطريقة كذا، وهكذا الكتابة الروائية تستيقظ في وعينا وتتشكل وتحدث كالمعجزة مثلها مثل الحب تماما. ولنكتب رواية ما في هيئة كائن حي سوي فإنه ليس علينا أن ندفع به ليكبر فجأة أو يتجسد على أية طريقة، بل هي عملية خلق عليها أن تنضج بشكل كامل حتى لا تولد مشوهة وناقصة. لتتشكل الرواية كعمل حي يحمل في كل مفاصله نبضا وروحا لكيان حي.

إن معرفة سر الكتابة الروائية ليس حكراً على متخصصين أو باحثين أو أكاديميين، بل هي عملية خلق حقيقية سرها يكمن في مواجهة منطلقاتك الفكرية والفلسفية والاجتماعية بشجاعة كاملة لتفسير الحقائق التي تؤمن بها، فكتابة الرواية لا تبحث عن الحقائق بقدر ما تكشفها وتفسرها.

يحدث أن تكون كتابة الرواية عند أحدهم عملا يوظف فيه سياقات البناء الروائي ومن ثم إدخال حبكة ومتن روائي، بينما يراها آخر بأنها كتابة لتأطير نمط تقاليد حياة اجتماعية أو حكائية، وقس على هذا خيارات كثيرة لكتاب الرواية في التوجه إلى الكتابة الروائية، لكن الواجب أن تكون الرواية هي مرآة يرى فيها المرء وجهه بالذات. ذلك أن الكاتب عندما يجلس أمام حزمة من الأوراق وقلمه بيده، فإن السؤال الذي يوجهه ليس ببساطة ماذا أكتب؟ بل من أنا؟ وماذا أريد أن أكون؟

اتجه كثير من الكتاب إلى كتابة الرواية في المرحلة السابقة والحالية، ولأسباب عديدة منها حركة النشر المتسارعة التي شهدناها في السنوات القليلة الماضية إما توجها للشهرة والأضواء، أو ليحظوا بلقب روائيين، وهذا بحد ذاته حراك أدبي أكثر منه إبداعي.

إن الكتابة الروائية هي من نمط الإبداع الذي يحمل في طابعه الاستمرارية والديمومة لعمل خلاق يجسد في داخله حالة ما وخطابا ما في الوقت نفسه. فالرواية هي أكثر أشكال الأدب نزوعا للحرية وتحريرا للذات. ومن هذا المنطلق ظلت الرواية "كائنا حيا يتنفس الكلمات".