جازان تلك المدينة الجميلة الغافية بهدوء وسكينة في أقصى جنوب المملكة، مدينة الفل والكادي والمانجو والعسل، البوابة الجنوبية للمملكة، تلك المدينة تعرف عليها معظم السعوديين عام 2001 حين ارتبط اسمها بحمى الوادي المتصدع، لتصبح المآسي الصحية قدرها الذي لا مفر منه.

حينذاك تعهدت وزارة الصحة برفع مستوى العناية الصحية في المنطقة عامة، وفي جازان المدينة خاصة، وهو تعهد يقتضي إنشاء وفتح المستشفيات التخصصية، ورفع مستوى كفاءة الكادر الطبي، وتوفير الدعم اللوجستي اللازم للنهوض بالخدمات الصحية في المنطقة.

ثم تمضي الأيام على تلك التعهدات لتجر على جازان مزيدا من الكوارث الصحية، وعلى مواطنيها مزيدا من المعاناة، فمن حادثة نقل الدم الملوث بالإيدز لأول مرة في المملكة، إلى حوادث التشخيص الخاطئ للمرضى التي ذهب ضحيتها عدد من مواطني المنطقة، إلى حوادث الحريق المتكررة، فقبل أكثر من عام أغلق مستشفى جازان العام، المستشفى الذي يخدم سكان المدينة، بعد الحريق الذي وقع في قسم الأطفال المواليد (جزء من المستشفى)، وأدى إلى هلاك عدد من الضحايا.

إغلاق المستشفى كليا ضاعف معاناة المرضى في المدينة، حيث يضطر المراجعون إلى الخروج من مدينتهم للعلاج في المستشفيات القريبة التي يبعد أقربها مسافة 30 كيلومترا (مستشفى صبيا العام/ مستشفى الملك فهد)، بعد أن اكتفت وزارة الصحة بتشغيل مستوصف الشاطئ للطوارئ، على طريق صبيا (يبعد حوالي 15 كيلومترا عن جازان المدينة).

وخلال العام المنصرم وحده وقعت في مستشفيات جازان (الملك فهد المركزي، بني مالك، صبيا العام، صامطة، أبوعريش، بيش العام، الطوال، الدرب، ثم أخيرا العارضة) قبل عدة أيام، حرائق متفرقة، بعضها نتج عنه حدوث وفيات، وبعضها انتهى بالمواطن الجازاني إلى القلق من البقاء في حجر الانتظار في المستشفيات لبضع ساعات فضلا عن الإقامة في أقسام التنويم أياما.

أخيرا يأتي حلم افتتاح مستشفى جازان التخصصي الجديد الذي تأخر كثيرا، مع حاجة المنطقة الماسة إلى افتتاحه وتشغيله في ظل ظروف الاحتياج المستمر للخدمات الصحية الاعتيادية، وفي ظل الظروف العسكرية التي تعيشها المنطقة مع انطلاق عاصفة الحزم، وهو ما يعني حاجة مضاعفة إلى الانتهاء من هذا المستشفى وتشغيله في أقرب وقت.

بالأمس فقط دعا أمير منطقة جازان إلى تشكيل لجنة للنظر في أسباب الحرائق المتكررة في مستشفيات المنطقة، وهو أمر تشكر عليه الإمارة، رغم تأخره، لكنه لا يعفي وزارة الصحة من مسؤولياتها والتزاماتها، ففي جازان مواطنون يعانون من ضعف الخدمات الصحية زمنا طويلا، ينتهب المستثمرون في الصحة من أصحاب المستشفيات الخاصة أموالهم، في ظل العزوف عن مراجعة المستشفيات الحكومية، لبعدها عن ساكني المدينة من جهة، ولضعف الثقة في إمكاناتها من جهة أخرى، وهذا يجعل وزارة الصحة أمام مسؤولية كبيرة لا يمكن أن تنهيها أحلام افتتاح مستشفى تسير ببطء، أو تشكيل لجنة لدراسة الوضع وتحديد المسؤوليات لاحقا.