توقف قلمي ورفض أن يسطر أي كلمة! خانني التعبير وعاندتني الأبجدية! مجهدة نفسيا بعد رحلة بحث كرهت كل خطوة فيها! كنت كمن دخل غابة من الأشواك وهو يعلم تماما مدى الألم الذي سوف يواجهه، لكنه يعلم أيضا أن مع هذا الألم سيجد الطريق الذي يبحث عنه. نعم طريقي كان شاقا وخرجت من الغابة بجروح أدمت قلبي وهزت وجداني، وبعد كل هذا العناء أضعت مفاتيح الكتابة؛ أكتب سطرا لأعود وأمحوه!
اعتقدت دائما بأنني أنا التي أختار الموضوع الذي سأكتب عنه، أو هكذا خيل لي! ولكن هذه المرة وجدت أنه هو الذي اختارني، بل إنه كان يلاحقني! فكلما دخلت موقعا ما سقطت عيناي لا شعوريا عليه ويردد لساني "يا لطيف"، وأتجه إلى خبر آخر لأجد نفسي أعود إليه! مرة يظهر على شكل تنبيه ومرة على شكل توجيه وأخرى على شكل مأساة... وتلاحقني النظرات التي لم أرها والصرخات التي لم أسمعها، فهذا ليس إلا لأن روحي رأت وأصغت!
إن الخيال قاتل خاصة حينما يكون ينبض بالحياة، يدخلك إلى الكادر ويجعلك تعيش اللحظات المؤلمة للضحية، تحاول جاهدا أن تصده فيقتحم أحلامك مجلجلا كيانك لعلك تتحرك وتفعل شيئا... فتعتذر ولكن لمن؟ لوجوه بلا ملامح لأسماء تجهلها، لأعين لا تدري إن كنت تحدق بها أم هي التي تحدق بك وتجلدك بنظراتها! كيف تعتذر ممن لا تعرف كيف تصل إليهم؟! كيف تعتذر ممن تعلم علم اليقين بأنك لم تستطع أن تساعدهم، أن توقف تلك الأيادي السوداء من الوصول إليهم؟ كيف تعتذر عن كل لحظة رعب، كل صرخة ألم، كل تشتت، كل ضياع؟!
هل أتعبتكم؟ عذرا فالموضوع صعب جدا حين تفكر به، فكيف حين تجد أنك يجب أن تكتب عنه! وعلى الرغم من أنني كرست قلمي للتوعية عن مخاطر الجهل وأعداء الإنسانية، وكتبت عدة مقالات عن العنف الأسري، لكن في كل مرة أتطرق لما يتعرض له الأطفال من تعديات أجد أنني أغرق في بحر من المشاعر السلبية، وهذه المرة الموج كان أعنف من أي مرة سابقة، أحاول أن أقاوم الكراهية أن أتغلب على الحقد أن أخمد حرائق الانتقام التي تشتعل في كل ذرة من كياني! يجب أن أقاوم الغرق يجب أن أطفو، فهذا القلم وضع في يدي لكي أبني، وإن استسلمت لكل هذه السموم سوف أهدم وأدمر!
نقرأ يوميا عن حالات اغتصاب أو تحرش جنسي لأطفال ليس عندنا فقط، بل حول العالم، ونتابع فنجد أنه في بعض الحالات تم القبض على الجاني، وقد نصل إلى مرحلة الحكم، ولكن ماذا بعد؟ يتلاشى الخبر في خضم الأخبار المروعة التي تتواتر على شكل "عاجل" يحمل في طياته مزيدا من الموت والدمار! ولكن هنالك موت ودمار يتسلل إلى داخل بيوتنا، مدارسنا، مساجدنا، ملاعبنا، أسواقنا وملاهينا! حين نتجاهل أن في عالم "السايبر" شياطين تقتات على الأطفال تنهش في البراءة وتغتال المستقبل نكون كمن يخفي رأسه في التراب كي لا يرى! إنهم مروجو المواد الإباحية عن الأطفال، وكل من ينسخها وينقلها وينشرها ويتابعها! وبما أنها تجارة رابحة تدر حسب أحد المصادر المختصة عائدات تقدر بنحو ثلاث مليارات دولار سنويا، سنجد أنها لن تتوقف أو حتى تتراجع إن لم تجد موقفا عالميا حازما يحاربها وبكل الطرق، سواء على النت المفتوح أو ما يسمى "deep net" أي النت العميقة أو المخبأة، والتي لا تستطيع أن تجدها على محركات البحث المعروفة مثل "جوجل"، حيث تختفي تحت أجنحة الظلام في عالم يغلب عليه طابع الإجرام والهمجية!
ولا أحد يبرر لمن يشاهدها أو يتابعها بأنه ليس بمستوى إجرام صانعها! لأنه يسهم في زيادة الطلب، وزيادة الطلب يعني مزيدا من الضحايا من الأطفال يتعرضون للخطف أو يستغلون من قبل شخص ما قريب من الأسرة أو حتى من الأسرة نفسها، من أجل أن يشارك في هذه السوق! إضافة إلى أنه وحش مفترس فهو يشارك بنشر همجيته حول العالم، فيجد من يحمل هذه المقاطع ويشارك بها من هم ضمن دائرة خليته السادية، أو ينشرها في المواقع إما لقاء مبالغ مالية أو من أجل جذب الزبائن للموقع لبيع منتجات سوداء للساديين والمختلين جنسيا!
نعم لا تنتج هذه المقاطع عندنا، أو على الأقل لا توجد معلومات موثقة تشير إلى ذلك، ولكن أثبتت الدراسات أن من يتابع هذه المقاطع عادة ما يتجه إلى الاعتداء جنسيا على الأطفال! وبما أن التقارير العالمية بينت أن من يتابع أو ينشر أو ينتج لم يكن أحد يتوقع بأنه من هذه النوعية من البشر، بل الغالبية يظهر بالمجتمع كشخصيات من شرائح متعددة من المجالات المجتمعية يختبئون خلف أقنعة الورع والأخلاق والقيم والمبادئ الراقية، مما يجعل المرء لا يفكر بأن يوجه أصابع الاتهام لهم يوما أو حتى يقرن أسماءهم بتلك الجرائم، فهذا يعني أننا لا نعلم حقا أين يكمن الخطر، ومن يتربص بأطفالنا! وبما أن الأمر وصل لأن يقام "الملتقى الوطني للوقاية من الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت" في مدينة الرياض، فهذا يعني أن الأمر خطير ويجب أن نتوقف، نتابع ونتعرف على طرق المساعدة لكي نحمي أطفالنا. فمن نجد من معارفنا أو أقربائنا يحمل مثل هذه المقاطع فلنبلغ الجهات المختصة فورا، فمن خلاله تستطيع أن تصل إلى بقية الشبكة وأحيانا يصلون إلى المصدر، ولا ننتظر حتى يبرر أو يتعهد بأنه لن يكرر تحميل هذه المقاطع، لأنه سوف يقوم بحذفها والاتجاه إلى طرق أخرى ملتوية للتوصل إلى مبتغاه! من لا يرحم الطفولة يجب ألاّ يُرحم!
إنها قضية اختراق من قبل وحوش بشرية، وحتى تتم المواجهة يجب التعرف على طرق سد هذه الثغرات، حيث تواجدها على أجهزتنا الإلكترونية، خاصة تلك التي بأيدي أطفالنا حتى لا يسحبون إلى هذا العالم المظلم، كما يجب أن نسهم في التوعية كما جاء في توصيات الملتقى من خلال مجالس الأحياء، والمدارس، والمساجد، والأندية الرياضية والثقافية، وطبعا الإعلام، لننشر طرق الحماية وطرق المواجهة وطرق التبليغ، فآثار هذه الجريمة كالسل يسري في جسد المجتمع يستمر بالتسلل إلى أن ينهي على الضحية، والضحية بالدرجة الأولى هم الأطفال! لا نريد أن ننتظر حتى نعتذر منهم، نريد أن نتحرك من الآن لنحميهم ونحمي أطفال العالم من أجل المستقبل من أجل الإنسانية.