يقول أحد الدعاة في معرض نقده للمطالبين باستقلالية المرأة السعودية ما نصه "يريد بعضهم أن يلقي الحبل على الغارب.. له علاقة بفتاة.. فإذا علم أن أباها يمنعها عنه، قال: انزعوا الولاية.. يريد أن يوظف (البنت) وتسافر معه حيث يشاء.. فإذا جعلت الشريعة عليها ولاية، قال: الولاية ظلم للمرأة.. بل الولاية تقييد لشهوتك وفجورك.. والله لما تبحث في هؤلاء الذين يقولون أسقطوا الولاية عن المرأة لن تجد بينهم عالماً جليلاً ولا ولي أمر ناصحا.. ستجد أكثرهم من سقط المتاع"!

القول السابق في الحقيقة لا يخرج عن مضمون قول النعمان بن أبي الثناء في كتابه "الإصابة في منع النساء من الكتابة" الذي يقول فيه ما نصه "أما تعليم النساء القراءة والكتابة فأعوذ بالله، إذ لا أرى شيئا أضر منه بهنّ، فإنهنّ لما كن مجبولات على الغدر كان حصولهن على هذه الملكة من أعظم وسائل نشر الفساد، وأما أن تقدر المرأة على تأليفه بها، فإنه يكون رسالة إلى زيد ورقعة إلى عمر، وبيتا من الشعر إلى عزب، وشيئا آخر إلى رجل آخر.."، وهذا القول قد يتعجب منه الكثير من الناس اليوم، بل قد يجدونه مضحكاً، ولكن في الوقت ذاته، قد يجد البعض كلام الداعية السابق عين العقل والمنطق، بل يعتبره من محكمات الشريعة الإسلامية، ومن يدري فقد يتعجب الناس من مثل هذا الكلام في المستقبل!

إن المشكلة لدى بعض الدعاة ورجال الدين هو أنهم لم يهضموا مسألة "استقلال شخصية المرأة" في داخل المجتمع، ولم يعيشوا أجواء المجتمع المدني الذي تغيرت فيه ثقافة المرأة، فما زال البعض يعيش حالة المجتمع الأهلي الذي يستوحي مقوماته الثقافية من العادات والتقاليد والصورة الذهنية التي تنظر إلى المرأة على أنها باب الفتنة ووسيلة الشيطان لإغواء البشرية.

فما زال الخطاب الديني السائد عندما يتعامل مع قضايا المرأة، يحاول إسقاط الانحراف الأخلاقي والابتذال الذي لا يؤمن معه على دين الناس وشرفهم وأعراضهم على تلك القضايا، وللأسف الشديد قد نجد هذه الإشكالية موجودة في المجتمع بشكل عام تجاه أي تغيير أو تطوير يحدث في المجتمع، فالبعض يحاول ذكر السلبيات أولاً، ومن ثم يحاول ربط الأخطاء والإشكاليات الموجودة على أرض الواقع بذلك التغيير رغم أنها موجودة فعلاً قبل هذا التغيير أو التطوير.

فكما رأينا في الماضي، كيف حذّر بعض الدعاة ورجال الدين من تعليم المرأة، وكيف أنها سوف تنزلق في طريق الفتن والأهواء، وكما حصل أيضاً في الماضي القريب مع عمل المرأة وكيف أنها ستختلط مع الرجال فيكثر الزنا وتظهر الفواحش، وعند حصول المشاكل الأخلاقية في مقر المدرسة أو العمل يتم ربط ذلك بمسألة "عمل المرأة أو تعليمها" كسبب رئيسي للانحدار الأخلاقي، مع أنهم يغضون الطرف عن المساوئ الأخلاقية الموجودة فعلاً في المجتمع المنغلق!

بسبب التغيرات والتطورات الحديثة التي نعيشها اليوم، شعرت المرأة السعودية بوجودها وكيانها المستقل وهي تسعى إلى كسب هذا الاستقلال، فقد أصبحت واعية بإنسانيتها، وهي مستعدة لتحمل المسؤولية وأعباء الأمانة والخلافة الإلهية، وهذا هو السبب الحقيقي الذي يقف وراء مطالب إسقاط الولاية وليس كما يصوره بعض الدعاة ورجال الدين بأن ذلك مطلب أهل الشهوات والفجور من الرجال!

مازال البعض غير مستوعب حتى الآن مسألة "استقلالية المرأة" حتى الدعاة ورجال الدين، فهم يعتقدون أن من يقف وراء قضايا المرأة ومطالبها هم الرجال الذكور الذي يسعون إلى افتراس المرأة والاستمتاع بها، فالمرأة في نظرهم دائماً تابعة للرجل سواء في الخير أو في الشر، مع أن المرأة اليوم تسعى إلى الاعتراف بشخصيتها وكرامتها وإنسانيتها وليس كما يتصور البعض في السعي إلى الشهوات أو إلى هدم أحكام الشريعة الإسلامية.

يعيش المجتمع اليوم عصر الانفتاح المعلوماتي ومظاهر الحياة الحديثة، وبدأت الأسر بالفعل بتربية أطفالها ذكوراً وإناثاً على حد سواء، فإذا كان الشباب الذكور يحاولون الخروج من وصاية والديهم والاستقلال بشخصيتهم في مواجهة تحديات الحياة ومصاعبها، فكذلك الشابات يسعين إلى تحقيق نفس الهدف، ولكن البعض يحاول تطويعهن للخضوع للأعراف والتقاليد القديمة، وهذا ربما يفسر هروب الفتيات من منازلهن وذويهن.

لا أريد التمادي في كشف الحالات السلبية التي تعيشها الأسرة نتيجة سيطرة العادات والتقاليد العرفية على المرأة، مما يجعلها شخصية متخلفة، وينحصر تفكيرها في سفاسف الأمور، ولكن الهدف هو التنبيه إلى مسألة "استقلالية المرأة" وتعاملها مع الواقع الاجتماعي من موقع المسؤولية والقيم الإنسانية التي أرادها الله سبحانه وتعالى للإنسان في استخلافه على الأرض، فالمرأة كالرجل في الإنسانية وهما زوجان لنوع واحد. يقول الله عزّ وجل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) سورة النساء الآية 1.