تفاجأ المواطنون الذين تقدموا بطلب جدولة قروضهم البنكية، حسب توجيه مؤسسة النقد العربي السعودي الأخير، بزيادة نسب مرابحة البنوك، بعد الجدولة، عن المتفق عليه في العقد الأول؛ بحيث أدى تمديد فترة السداد إلى زيادة أرباح البنك عما هو مقرر في عقد الاقتراض المبرم مع العميل في وقت سابق.

هذه الزيادة في الأرباح زادت أعباء المواطن، الذي اضطر إلى تقديم طلب إعادة الجدولة بعد انخفاض راتبه، وقد كان يجدر بمؤسسة النقد، حين فرضت إعادة الجدولة، أن توجه البنوك بجدولة المبلغ المتفق عليه مع المقترض؛ بأرباحه السابقة، لا أن تسمح للبنوك باستغلال إعادة الجدولة لزيادة أرباحها.

فالمؤسسة والبنك يعلمان يقينا أن المواطن مضطر لإعادة الجدولة وليس الأمر باختياره، وأن ما اضطره إلى ذلك هو ظرف اقتصادي وطني، يفترض بالبنوك، وهي مؤسسات وطنية، أن تسهم في تحمله مع الدولة والمواطن، خاصة أن استطلاعات الرأي التي نشرت مؤخرا قد أظهرت عجز المواطنين عن السداد، بعد أن بلغت نسبة المتعثرين 86%، ونسبة من تجاوزت أقساطهم الشهرية نصف رواتبهم 42%، وهذا يضع البنوك أمام واجب وطني إنساني، ينبغي عليها القيام به.

هذه النسب، وهي كبيرة بلا شك، لا تكشف حجم التعثر في الاقتراض من شركات تقسيط السيارات والعقار والأثاث وغيرها، ولا حجم الديون الشخصية للأفراد؛ التي كان بوسع المواطن سدادها من راتبه الشهري قبل حذف البدلات. لكن المواطن المثقل بالديون لا يجد من يمد له يد العون دون مقابل. ولو أراد هذا المغلوب على أمره أن يسدد ويقارب، في ظل إصرار البنوك على أن يكون لها وحدها الغنم وعليه الغرم كاملا، لوجد نفسه محاطا بظروف اقتصادية لا تساعده على إعادة جدولة ديونه والتزاماته الحياتية؛ فأسعار المواد الغذائية الاستهلاكية على حالها، وأسعار البنزين والكهرباء والماء ارتفعت بشكل كبير. ثم يعلن أخيرا عن ارتفاع سعر الرغيف، بعد اعتماد الرغيف الصحي؛ ليصبح الرغيف بريال واحد، بعد أن كان بإمكان المواطن الحصول على أربعة أرغفة بهذا السعر.

وحين يتحدث الاقتصاديون عن انخفاض أسعار الماشية وأسعار العقار، فهم لا يبشرون المواطن بخير؛ لأن انخفاض أسعار الماشية لم يواكبه انخفاض أسعار المطاعم والمطابخ، وانخفاض أسعار العقار لا يعني المواطن الذي لم يعد قادرا على القيام بحاجاته اليومية، حتى يحلم بتملك عقار. تلك الظروف تتضافر لتضاعف مشكلات المواطن المالية، وتحول حياته اليومية إلى معاناة مستمرة، لا يمكن إعادة جدولتها.

وزارة التجارة، فيما يبدو، تعيش مع مؤسسة النقد والبنوك المحلية في كوكب آخر، غير ذاك الكوكب الذي يعيش عليه المواطن المقترض المتعثر، المستهلك المتضرر، فهي لا تتعهد بخفض الأسعار، ولا تبشر ببدائل وحلول لمشكلات التعثر الاستهلاكي، مع أن فكرة (الجمعيات التعاونية) المعمول بها في دول الخليج تعد حلّا متاحا، يمكن تجربته هنا ليستفيد المواطن من تخفيضات السلع ودعمها.

في ضوء تلك الظروف قد لا يكون من الصادم أن نتوقع إخفاق المقترضين السعوديين في السداد قريبا، وأن يودع بعضهم السجن، بعد أن كانت سجلاتهم الأمنية خالية من السوابق.