(إنها حياة رائعة) It's a Wonderful Life هذا اسم أحد أهم الأفلام الكلاسيكية الأميركية. تم إنتاج هذا الفيلم سنة 1946 على يد منتجه ومخرجه أيضا (فرانك كابرا).

يحكي الفيلم قصة رجل اسمه جورج بيلي عاش يؤجّل أحلامه بالطواف حول الأرض في كل مرة يعرض له فيها حدث متعلق بمن حوله. حتى وجد نفسه ذات يوم في أزمة مالية تهدده بخسارة كل ما يملك ودخوله إلى السجن. يكاد يفقد صوابه ويفكر برمي نفسه من الجسر المطل على النهر والانتحار غرقا. يلوح له في هذه اللحظة شخص يوشك على الغرق بالفعل فيعمد إلى مساعدته وإنقاذه. لم يكن ذلك الشخص سوى ملاك يريد ثنيه عما يفكر به. يبدأ الحوار الذي يتكلم فيه جورج عن تعاسة حياته التي لم يعشها ولن يعيشها كما ينبغي. لينطق بأهم عبارة في الفيلم "ليتني لم أولد قط". تلك العبارة التي يلتقطها الملاك ليحقق لجورج فرصة رؤية ما ستكون عليه الحياة لو أنه لم يولد قط.

يتأكد أن عالمه الذي يعرفه سيكون أسوأ بكثير لو لم يخرج هو إلى العالم، وذلك من خلال وقوع عينه على مشاهدات مؤسفة لم يكن لها أن تحدث لو جرى الأمر كما عرفه في حياته. من أمثلة ذلك أن جورج قد أنقذ في طفولته شقيقه الأصغر من الغرق في بحيرة متجمدة، ثم بعد سنوات انخرط ذلك الشقيق في الجيش وأنقذ ناقلة بحرية مليئة بالبشر. في الحياة التي لم يعشها جورج هلك أولئك البشر لأن شقيقه لم يكن موجودا، إذ إنه قد غادر الحياة غرقا في بحيرة الجليد، فجورج لم يكن هناك لينقذ حياته. ومن ذلك أيضا أنه أثناء عمله لدى أحد صيادلة البلدة قد تنبّه إلى خطأ وقع فيه معلّمه كان كفيلا بهلاك أحد الأطفال. في الحياة التي لم يعشها مات ذلك الطفل وعوقب الصيدلي بالسجن ومنع عن مزاولة المهنة إلى الأبد، مما أدى به إلى حياة بائسة.

هكذا تتجول عين جورج في أنحاء بلدته ليتحقق من أهمية حياته ومدى تأثيرها على حيوات الآخرين من خلال تدخلات بسيطة لم يكن متنبّها لأهميتها. فيتوسل طالبا العودة إلى حياته التي أحبها. يجيب الملاك طلبه فيعود جورج إلى حياته لا يكاد يستمسك من الفرح معانقا كل شخص يعرفه ومرحبا بكل مصير ينتظره.

ربما يحاول أن يخبرنا الفيلم بأن (الحياة الرائعة) التي تمنحنا الرضا ليست تلك التي تحقق لنا رغباتنا، بل تلك التي تتيح لنا الفرصة لنمارس أهمية وجودنا. هذا ما عبّرت عنه مشاعر جورج عند رغبته في العودة رغم علمه بالمعاناة التي تنتظره في حياته الواقعية، لكنه بدا مسرورا بعد تيقنه من أن معاناته حافلة بالمعنى ولها أثر حقيقي على العالم.

هذا ما يقرره رائد العلاج بالمعنى عالم النفس (فيكتور فرانكيل) والذي ما زال مذهبه النفسي يحظى بالتقدير وتتزايد أهميته كل يوم. "من الممكن أن يتأقلم الإنسان، بل ويرحب بأي معاناة مهما بدت قسوتها شرط أن يكون لها معنى"، هذه تقريبا خلاصة مذهب فرانكيل كما يعرضه في كتابه (الإنسان يبحث عن المعنى) من خلال تجربته الشخصية في معتقلات النازيين، وتجارب الكثيرين من رواد عيادته كذلك.

تتكلم كاثرين أليسون في كتابها (دماغ الأم) عن فتيات مستهترات ومدمنات تتغير حياتهن بالكامل نحو الانضباط وانفتاح الأفق للمستقبل بمجرد أن ينجبن، وذلك لما يتحقق لديهن من الشعور بالمعنى وأهمية مسؤوليتهن عن شخص ما أو تمثيلهن القدوة له.

ربما لهذا علاقة بمعلومة أوردها إبراهيم المغربي في كتابه (الانتحار، رؤية تكاملية) مفادها أن أصحاب المهن أقل عرضة للانتحار من الموظفين في المؤسسات الكبرى. من الممكن تفسير هذا على ضوء مدرسة المعنى بأن صاحب المهنة غالبا ما يجد المعنى في عمله، فهو مدرك له من خلال مراقبة أثره على منتجه وعلى عملائه كذلك. ليس المقصود بالمهنة هنا "الحرفة اليدوية"، بل المقصود "العمل الذي لا يزول الوصف به عن الإنسان الممارس له بصرف النظر عن مكان وجوده أو زمانه"، وهذا خلاف الوظيفة طبعا. من الممكن أن يكون الطب مهنة من هذا الوجه، كما من الممكن أن يكون مجرد وظيفة بحسب الفرصة التي يتحقق للطبيب فيها تفاعله مع مرضاه ومتابعة آثار تدخلاته. بعد نشوء الشركات الكبرى وابتكار خطوط الإنتاج التي تعتمد على مساهمة كل موظف بجزء معزول من العمل يكرره بشكل رتيب مع حرمانه من رؤية أثر صنيعه بشكل مباشر، فقد العمل جزءا مهمّاً مما كان يحققه لمزاوليه من الرضا والتوازن النفسي. لذلك يُنصح بأن يلجأ كل موظف يشكو رتابة عمله وعجزه عن الشعور بمعناه إلى عمل موازٍ وإن كان تطوعيا لإكسابه ما ينشده من الشعور بالمعنى، فليس بالخبز وحده يعيش الإنسان.