إثر الفوز المفاجئ للمرشح الجمهوري دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية سادت أجواء من التشاؤم والحذر داخل وخارج الولايات المتحدة الأميركية. ففي الداخل الأميركي لاحت نذر مخاوف اقتصادية وحراك شعبي تمثل في تظاهرات مناهضة للرئيس ترامب عمت عدداً من الولايات.

ومقابل التكهنات التي تمركزت حول دخول الولايات المتحدة حقبة من الانعزالية مصحوبة بهيمنة شعبوية وتدنّ في درجة حرية التعبير والحريات العامة. عادت إلى الظهور في المشهد الأميركي نزعات انفصالية.

ويرجع ظهور تلك النزعات إلى القرن التاسع عشر، وتحديدا عندما نادت ولاية كارولينا الجنوبية بعدم الاعتراف بالحكومة المركزية في واشنطن، وبما يصدره الكونجرس من قرارات ملزِمة إذا لم تتفق مع مصالح الولاية.

وسبق للسكان الأصليين لولايتي ألاسكا وجزر هاواي أن ناشدوا الأمم المتحدة، عبر بيان أصدروه في 7 /5 /2015 النظر في مسألة ضم أراضيهم بطريقة "غير مشروعة" إلى الولايات المتحدة، وعن "طريق الخداع"، وانتهاك مبادئ الأمم المتحدة. ودعا ممثلو الولايتين الأمم المتحدة إلى إصلاح تلك الأخطاء، وإجراء "استفتاء لتقرير المصير".

وخلال السنوات الأخيرة تمت المطالبة بإعادة ألاسكا إلى روسيا، وهناك من طالب بتحويل ألاسكا إلى دولة مستقلة بين أميركا وروسيا.

وكانت 15 ولاية أميركية قد قدمت في 10 /11 /2012، بعد أيام فقط من انتهاء الانتخابات الرئاسية طلباً للانفصال من الوطن الأم لإقامة حكومات منفصلة وكيان مستقل، وتضم هذه القائمة كلا من ولاية لويزيانا وتكساس ومونتانا وداكوتا الشمالية وانديانا وميسيسبي وكنتاكي وكارولينا الشمالية وألاباما وفلوريدا وجورجيا ونيوجرسي وكولورادو وأريغون ونيويورك.

وقامت خلال العقود الثلاثة الأخيرة الولايات التالية: جورجيا وكارولينا الجنوبية وتكساس وفيرمونت بإجراء بعض الأعمال والنشاطات التي يمكن اعتبارها بمنزلة التحركات الانفصالية، ففي شهر مايو 2010 أعلنت مجموعة تدعى "جمهورية بالمتو الثالثة" (Third Palmetto Republic) في كارولينا الجنوبية عن وجودها، ويذكر أن هذه الولاية استقلت مرتين حتى الآن، مرة في عام 1776 والأخري في عام 1860.

وتأسست "جمهورية فيرمونت الثانية" عام 2003، وهي شبكة متشكلة من عدة مجموعات يقدمون أنفسهم تحت عنوان "المواطنون السلميون". وتسعى هذه الشبكة عبر الطرق السلمية إلى الحصول على استقلال فيرمونت مرة أخرى، في 28 أكتوبر 2005 عقد نشطاء هذه الحركة "مؤتمر استقلال فيرمونت"، حيث يعتبر أول تجمع يقام في ولاية يبحث قضية الانفصال عن الولايات المتحدة.

وبدأت حركة "جمهورية تكساس" نشاطاتها وفعاليتها المثيرة للجدل أواخر عقد الثمانينات. وفي عام 2009 طرح ريك بري عمدة تكساس قضية الانفصال في إحدى اجتماعات الحزب الجمهوري، حيث أعلن أن "تكساس مكان لا مثيل له، عندما انضمت إلى الولايات المتحدة في عام 1845 كانت إحدى القضايا التي تم الاتفاق عليها أنه في أي وقت رغبنا نستطيع أن نخرج من هذا الاتحاد... أتمنى أن تنتبه أميركا وبالأخص واشنطن إلى هذا الأمر.. إذا استمرت واشنطن في إهانة الشعب الأميركي لا يمكن لأحد أن يتوقع ماذا سيحدث في المستقبل".

وتعد تكساس أكبر ولايات أميركا بعد ألاسكا، وتبلغ مساحتها 696200 كيلومتر مربع. أي أنها أكبر من فرنسا بنسبة 10% وتقارب مساحتها ضعف مساحة ألمانيا. وهي من أكبر الولايات الزراعية في الولايات المتحدة، والنفط هو أشهر صناعاتها.

وتتمتع تكساس أو ما يعرف بـ"ولاية النجمة الوحيدة (Lone Star State)"، بخصوصية قانونية، حيث شرعت لغتين رسميتين في الولاية، عدا الإنجليزية اللغة الرسمية للبلد هناك الإسبانية لغة رسمية أيضاً.‏ وللولاية ذاكرة تاريخية جيدة مع أيام الحرية البيضاء.‏ فبعد ستة أشهر من الحرب مع المكسيك من أجل الاستقلال، أعلنت جمهورية تكساس، التي حافظت على سيادتها من عام 1836 حتى عام 1845.‏

وتطالب بعض المنظمات الشعبية الناشطة في ولاية كاليفورنيا بالاستقلال عن الولايات المتحدة، وقد عقدوا اجتماعاً في 15 أبريل 2010 لدعم مطالبهم في الانفصال، ولبحث قضية الدفع قدماً في تحقيق هدفهم المتمثل في الاستقلال.

وتلقب كاليفورنيا بالولاية الذهبية (The Golden State) هي ثالث أكبر ولاية أميركية من حيث المساحة، بعد ألاسكا وتكساس. حيث تبلغ مساحتها 410000 كيلومتر مربع وإجمالي عدد سكانها 38041430 حسب إحصاءات عام 2012.

وكاليفورنيا هي أيضا موطن العديد من المناطق الاقتصادية الهامة، مثل هوليوود (الترفيه) وجنوب كاليفورنيا (الفضائيات) والوادي الأوسط (الزراعة) ووادي السليكون (الكمبيوتر والتكنولوجيا العالية)، وهي المسؤولة عن 13 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في الولايات المتحدة.

ورداً على فوز دونالد ترامب بالرئاسة في الولايات المتحدة، وتقدم دعاة الانفصال بمشروع "نعم لمشروع استقلال كاليفورنيا" بشكل رسمي. وتقدم مؤيدو الانفصال بوثيقة "كاليكسيت": الدعوة إلى الاستفتاء على الاستقلال في 2019" للحصول على تأييد نصف مليون ناخب أميركي على الأقل، للمرور إلى المرحلة الثانية، أي إصدار مشروع قانون يدعو الناخبين إلى التصويت في 2019، وتقرير مصير ولاية كاليفورنيا، إما البقاء داخل الاتحاد، أو الاستقلال. ولنجاح المشروع يتحتم أن يحصل الاستفتاء على تأييد الناخبين، إذا أقيم، وذلك بمشاركة 50% من الناخبين على الأقل، وأن تكون نسبة التأييد فوق 55%، لاعتماد الانفصال رسمياً وتأسيس جمهورية كاليفورنيا المستقلة.

لكن من جهته، الباحث كايسي ميشال في مجلة ذا ديبلومات الأميركية، يؤكد أن احتمال انفصال كاليفورنيا تعادل حظوظه نجاح ترامب في إعادة توحيد سلمي لشبه الجزيرة الكورية. وأن البنى التحتية التي تدفع حركة الانفصال داخل كاليفورنيا "تبهت" مقارنة مع ولايات أخرى وخصوصاً تكساس. فبعكس الأخيرة التي تلقت اعترافاً بها خلال أواسط القرن التاسع عشر من بريطانيا وفرنسا وبعض الدول الأخرى، لم تتلقّ كاليفورنيا اعترافاً كهذا.

وعن الجهة التي تقف وراء هذا المطلب الانفصالي، خصوصاً مع ادّعائها بأنها حركة داخلية المنشأ، يعتقد ميشال أن حركة "نعم كاليفورنيا" تحافظ على سلسلة من الروابط الخارجية يمكن أن تحجب عملية استمرارها. فالمنظمة الأولى التي تتصدّر التحركات هي "نعم كاليفورنيا"، ورغم أن مقرّها في الولاية نفسها. إلا أن رئيسها لويس مارينيللي أمضى بضع سنوات في كاليفورنيا لكنه يعيش في روسيا. أي في دولة تتهمها وكالات الاستخبارات الأميركية بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية. كما انضمّ مارينيللي إلى مؤتمر انفصالي في موسكو تمّ تمويله جزئياً من الكرملين. وحضره ممثلون عن حركات انفصالية في تكساس وبورتوريكو وهاواي.

وإذا قدر للبريكسيت البريطاني النجاح لأسباب داخلية وخارجية فإن الـ"كاليكسيت"، أي خروج كاليفورنيا من الاتحاد الأميركي ليس أمراً سهل المنال، فالدوافع الداخلية للانفصال هشة والتورط الروسي فيه يجعله أمراً مستحيلاً، ويضع دعاته في دائرة الشبهات.