أثبتت دراسة علمية جديدة أن الأطفال المصابون بالتوحد لا يبالون بالنظر إلى عيون الآخرين، وذلك على خلاف المعتقد السائد الذي كان يشير إلى أن هذه الفئة تتجنب النظر إلى الآخرين بسبب أنهم لا يثيرون اهتمامهم أو لأنهم لا يشعرونهم بالارتياح.


جانب جدلي

لطالما تبادر السؤال إلى أذهان الباحثين منذ زمن طويل:"لماذا تنخفض مستويات التواصل بالعين عند المصاب بالتوحد؟". 

يقول وارن جونز، قائد الدراسة، ومدير مركز ماركوس لأبحاث التوحد في أتلانتا، جورجيا: " من المهم فهم التوحد، كي نتمكن من علاجه". 

إن كان الأطفال المصابين بالتوحد يكرهون التواصل بالعين، قد يساعدهم العلاج في التخلص من عدم الراحة الناجم عن ذلك. ولكن إن كان التواصل بالعين غير مهم للأطفال، يمكن للآباء وإخصائي العلاج مساعدتهم على فهم أهمية هذا النوع من الاتصالات الاجتماعية. 

والمرتب على الدراسة الجديدة هو معرفة ما يجب التركيز عليه أثناء التواصل بالعين بالإضافة إلى معرفة المناطق الخاصة بالتواصل الاجتماعي في الدماغ.

ويعتبر انعدام التواصل بالعين أول علامات التوحد، وتقييمه يعد جزءا من أدوات فحص وتشخيص التوحد. ولكن الباحثين تجادلوا لفترة طويلة في السبب وراء هذه الآلية. وتتوافق فرضية اللامبالاة مع نظرية التحفيز الاجتماعي، والتي تنص على أن انعدام الاهتمام بالمعلومات الاجتماعية أحد خصائص وعلامات التوحد.

من جهة أخرى، تشير التقارير عن أشخاص مصابون بالتوحد بأنهم يجدون التواصل عن طريق العين غير مريح. وتدعم الدراسات التي راقبت حركات العيون أثناء نظرهم إلى وجوه الأشخاص كلا الفرضيتين.

وقال الأستاذ المساعد في تنمية الطفل بجامعة "مينيسوتا" الأميركية جد إليسون معلقا على الدراسة: "يعد الوضوح المفاهيمي الذي أعده الباحثون في هذه الدراسة من نقاط قوتها، حيث أنهم قارنوا كلا الفرضيتين ضد بعضهما البعض".


اللامبالاة بنظرات العيون

تعد الدراسة التي نشرت في 18 نوفمبر الماضي في المجلة العلمية the American Journal of Psychiatry الأولى من نوعها التي درست هذه القضية بين الأطفال الرضع. أي أن الدراسة قد تعطي نظرة أعمق من غيرها من الدراسات عن أصل تفادي التحديق وعدم النظر إلى العيون عن المصابين بالتوحد، وفقا لجونز. 

وعرض فريق جونز سلسلة من مقاطع الفيديو على 38 طفلا رضيعا سليما و26 طفلا مشخصا بالتوحد، و22 طفلا من الذين أظهروا علامات على تأخر الإدراك، اللغة أو الحركة، ولكن لم تنطبق عليهم علامات التوحد. كان عمر جميع الأطفال في الدراسة عامين، واستخدم الباحثون تقنية مراقبة حركات العيون لتتبع نظرات الأطفال بينما كانوا يشاهدون المقاطع المعروضة.

في بادئ الأمر، يظهر للأطفال دائرة صغيرة مضيئة زرقاء وبيضاء مع صوت دقات لجذب انتباه الأطفال. وبمجرد نظر الطفل إلى الدائرة، تظهر ممثلة في مكان الدائرة. تتحدث الممثلة في الفيديو إلى الأطفال بصورة تفاعلية.

في بعض الحالات تقود الدائرة نظرات الأطفال إلى عيني الممثلة. وفي مرات أخرى إلى أجزاء أخرى من وجه الممثلة أو مشهد آخر حول الممثلة، حيث أعد مشهد الفيديو ليبدو وكأنه غرفة أطفال مليئة بالألعاب والصور الملونة. 

عندما ركزت الدائرة على عيني الممثلة، لم يبعد الأطفال المصابون بالتوحد نظرهم عن عيني الممثلة بشكل أسرع من بقية مجموعات الأطفال. يشير هذا الاستنتاج إلى أن النظر إلى عيون الآخرين لا يتسبب بعدم الراحة أو غير سار لأطفال التوحد. إنهم ببساطة لا يفهمون أهمية التواصل بالعين.


الوضوح المفاهيمي

مال الأطفال الاعتياديون خلال بقية مشاهد الفيديو النظر إلى عيني الممثلة عندما كان صوتها وتعابير وجهها معبرة وبدت وكأنها تتفاعل مع الأطفال؛ ولكن عندما لم تكن ملامح وجهها معبرة فإنهم لم يركزوا النظر على عيني الممثلة.

وبينما قضى الأطفال المصابون بالتوحد وقتا أقل في التحديق إلى عيني الممثلة من الأطفال الاعتياديين، لم يختلف نظرهم إلى عيني الممثلة حسب السياق التعبيري لوجه الممثلة.

يقول فريدريك شيك، أستاذ مشارك في طب الأطفال في جامعة واشنطن في سياتل، ولم يشارك في العمل "إنها قصة واضحة جدا وموجزة. ليس هناك أمر مكروه في التواصل بنظرات العيون ولكن في الواقع مجرد عدم المبالاة".

وأظهر الأطفال الذين ظهر عليهم علامات تأخر النمو نفس الأنماط التي أظهرها الرضع الاعتياديون. وعلق جونز "يسلط هذا الضوء على اختلاف الأطفال المصابون بالتوحد".

يقول العلماء: "لابد من دراسات أكبر لمعرفة إن كان هذا النمط ينطبق على جميع الأطفال المصابون بالتوحد". في حين يقول المراهقون والبالغون المصابون بالتوحد إن التواصل بالعين غير مريح لهم، مما قد يشير إلى أنه في مرحلة لاحقة من الحياة تظهر عليهم علامات عدم الراحة لهذا النوع من التواصل الاجتماعي.