في كل عام، تطالعنا الصحف المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي بالصور الإنسانية لرجال أمننا البواسل في مواسم الحج والعمرة، إلا أن بعض من أتحدث معهم من المسلمين في الخارج يحملون صورة مختلفة لتجربتهم في زيارة المشاعر. ولفهم السبب، أنقل لكم مقتطفات من حواري مع أحدهم من بريطانيا.

يقول محمد شريف –طالب جامعي وسائق تاكسي من باكستان– إن تجربته في الحج كانت سيئة. وكان قد استهل حديثه بمحبة المملكة وأهلها. ففي أحد تنقلاته أثناء الحج بصحبة أطفاله، توقف قائد الحافلة لمدة 3 ساعات دون إبداء السبب للرّكاب. ولإرهاق أطفاله، أوقف محمد إحدى الدوريات الأمنية ليطلب منهم المساعدة، الذين بادروه بأنهم لا يعرفون اللغة الإنجليزية وهمّوا منصرفين.

يقول أيضا، وصلنا إلى المطار وانتظرنا لمدة طويلة، رغم أننا نرى موظفي الجوازات يتحدثون فيما بينهم "غير عابئين" بالحجاج. كما يشير بامتعاض إلى فارق التعامل بين حاملي الجنسيات الأوروبية ومواطني بقية الدول الإسلامية.

قلت له: "هل تواصلت مع وزارة الحج وأبلغتهم بتجربتك؟ نحن نفخر ونتشرف بخدمة ضيوف الرحمن، وهي من أولويات المواطنين والحكومة، وليس أبلغ من ذلك إلا حجم استثمارات الدولة في الحرمين الشريفين، واختيار هرم السلطة للقب خادم الحرمين الشريفين. كما أننا نسعى بكل السبل، إلى إكرام حجاج بيت الله الحرام. لذلك، لابد أن تخبر الجهات المسؤولة في الدولة".

 قال لي: "أنا أخبرتك، أنت أخبرهم!" وهأنذا.

انتهى حديثي معه، غادرت السيارة، وأنا أربط الصورة التي رسمها لي محمد، مع مشهد إطلاق الملك عبدالله -رحمه الله- لمشروع التوسعة، وصور رجال أمننا وهم يحملون الأطفال والمسنين أو يرشون المياه لتبريد ضيوف الرحمن. كيف لذلك أن يحدث؟

إن المسؤولية عظيمة، وإن الجهات المسؤولة عن تنظيم وتأمين الحج تبذل جهودا لا ينكرها إلا جاحد. كما أننا نلاحظ تحسنا ملحوظا عاما بعد عام. إلا أننا نستطيع –بعون الله– من أن نزيد في إكرام ضيوف الله، عبر عدة مبادرات ترفع مستوى الرضا لدى الحجاج.

أولا، إن الانطباع الأولي له أثر كبير على حكم الإنسان النهائي. ولذلك لا بد أن يكون انطباع الحجاج الأولي في أفضل مستوياته. ويمكن أن يتم ذلك عبر تهيئة جو مناسب للحجاج عند استقبالهم في المطارات، وذلك -على سبيل المثال- عبر توفير المياه وتوزيع فرق الكشافة للمساعدة والإرشاد، فضلا عن الترحيب. كما ينبغي رفع كفاءة وتحسين طرق تعامل موظفي الجوازات والجمارك وجميع المتعاملين مع الزوار. وربما ترى الدولة العمل على إنهاء إجراءات الحجاج في بلادهم لدى بعض الدول الصديقة، أسوة بطريقة عمل الولايات المتحدة في بعض الدول، إذ يستطيع المسافر إلى الولايات المتحدة إنهاء إجراءات الدخول من بعض المطارات مثل أبوظبي وأيرلندا.

لا نشك بأن هناك جهودا جيدة تبذل في استقبال الضيوف، إلا أن المجال ما زال واسعا أمامنا لتجويد عملية الاستقبال، وتحسين الانطباع الأولي لدى ضيوفنا.

ثانيا، إنشاء مركز ترجمة فوري بطاقم كبير يتحدث جميع اللغات (ويمكن الاستعانة بأعضاء البعثات)، ويكون مرتبطا عبر الإنترنت بشكل دائم مع رجال الأمن والمسعفين والمرشدين. فعندما يحتاج الحاج للتواصل مع رجل الأمن مثلا، يمكنه الاتصال على المركز بشكل سريع وآلي والتحاور مع الشخص بشكل فوري وسريع وبعدة لغات، بما يزيل اللبس الذي يقع لدى رجالنا أو ضيوفنا.

حاليا، تقوم الدولة بتوفير مترجمين مع فرق الكشافة، وإذا لم يتمكنوا من الترجمة، يتم التواصل مع أعضاء بعثة الحج للحاج حتى يتمكن من الترجمة. إلا أن إنشاء هذا المركز سيجعل مهمة الترجمة أكثر سلاسة وسرعة، بما ينعكس إيجابا على راحة الضيفِ والمُضيف.

ثالثا، حصول كل من يعمل في المشاعر المقدسة ومحيطها على "رخصة إكرام الحاج" قبل السماح له بالعمل في خدمة الحجاج. على أن تتطلب الرخصة حضور دورة تدريبية تغرس في النفس شرف المهمة وأساليب التعامل، وتنتهي باجتياز اختبار دوري بسيط يقدم بلغات مختلفة. كما يجب أن يكون هناك نظام يحدد مسؤوليات وواجبات من يعملون على ضيافة زوار المشاعر المقدسة. كما يجب علينا الاستماع لـ"مُكرمي الحجاج" والعمل على حل الإشكالات التي يواجهونها عند تأدية أعمالهم، سواء كانوا من القطاع العام أو الخاص.

حاليا، يوجد نظام تدريبي يتكون من أيام تدريبية ودورات، إلا أننا نطمح إلى نظام أكثر شمولية لتنظيم المهنة، ينتهي بتحديد المسؤوليات والواجبات على مُكرمي الحجاج والزوار، على ألا يتم تجديد هذه الرخصة عندما يتجاوز "مُكرم الحاج" سلوكيات المهنة.

رابعا، لابد من قياس مستوى رضا الزائرين سنويا، وذلك عبر اختيار عينة كبيرة وعشوائية من الزوّار لاستطلاع آرائهم في التجربة، إذ إن هدفنا هو راحة ورضا ضيوف الرحمن، ولا يمكن لنا تقييم مستوى نجاحنا في تحقيق هذا الهدف دون أداة قياس نعتمد عليها في اتخاذ قراراتنا التصحيحية، حيث إن "ما لا يمكن قياسه، لا يمكن إدارته".

حاليا، تكتفي الوزارة بتزويد الحاج بسوار يحتوي على معلوماته، بالإضافة إلى رقم خاص للشكاوى. ولا يخفى على القارئ، أن الاستطلاع المنظّم للآراء سيسهم بشكل أفضل في إعطاء المنظمين صورة متكاملة عن جودة التنظيم ونقاط الضعف والقوة.

بالإضافة إلى شرف خدمة ضيوف الرحمن، فإن مواسم الحج والعمرة هي وقت التقائنا بشعوب العالم، الذين يشكلون رأيهم عنّا وعن بلادنا خلال زيارتهم لنا، والذي ينعكس على علاقاتنا مع عالمنا الإسلامي بشكل عام.