اتفق وزير العمل ووزير التعليم مؤخرا على أن سوق العمل لم تعد بحاجة إلى بعض التخصصات المطروحة في جامعاتنا، جاء ذلك في تصريحين منفصلين للوزيرين، لعلهما كانا نتيجة لمباحثات مطولة بين الوزارتين من أجل الخروج برؤية مستقبلية واضحة. وبصرف النظر عن الملابسات السابقة للاتفاق إلا أنه يبدو خطوة أولى في الطريق الصحيح.

لقد أدركت وزارة التعليم أخيرا أن جامعاتنا، ومنذ عشرات السنين، تخرّج أعدادا كبيرة من الطلاب والطالبات في تخصصات لم تعد سوق العمل تحتاج إليها، وأدركت وزارة العمل أن مشكلة البطالة تتفاقم بين خريجي تلك التخصصات الذين لم تعد تستوعبهم كل برامج التوظيف والإحلال والسعودة. هنا كان الاتفاق، وهو اتفاق مهم وضروري، لكن الحديث عن الآليات التنفيذية التالية له يبدو أكثر أهمية وأشد ضرورة.

في هذا السياق أشار الوزيران- في تصريحيهما المنفصلين- إلى أن التوسع في القبول في التخصصات العلمية والهندسية والتقنية سيكون بديلا مناسبا بعد إغلاق التخصصات التي لا يحتاجها سوق العمل، وهذا- فيما يبدو- غير دقيق؛ من ثلاث نواح؛ أولا: أن خريجي الثانوية العامة ليسوا جميعا من خريجي المسار العلمي الذين يمكن قبولهم في تلك التخصصات، ثانيا: أن معظم التخصصات الهندسية محجوب عن الطالبات، مما يعني حرمانهن من الدراسة الجامعية عند إغلاق التخصصات الأخرى، ثالثا: أن زيادة أعداد المقبولين والمقبولات في التخصصات الطبية لها محاذير آنية ومستقبلية؛ إذ قد يدفع الكليات إلى التخفف من بعض الاشتراطات العلمية للقبول، كما قد يؤدي لاحقا إلى خلق بطالة جديدة في خريجي تلك التخصصات؛ إما لكثرتهم أو لضعفهم العلمي.

ومن ثم فإن إغلاق التخصصات التي لا يحتاجها سوق العمل يقتضي البحث عن تخصصات جديدة تستوعب خريجي وخريجات الثانوية العامة سنويا، على أن ينطلق التخطيط لافتتاح الأقسام والكليات الجديدة من نظرة واقعية تضع كل الظروف في تصورها، وأولها تقبل المجتمع للتخصص المطروح، ثم احتياج سوق العمل ونسبة هذا الاحتياج، وأخيرا توفر فرص التوظيف خاصة للطالبات؛ فافتتاح كلية القانون أو الآثار مثلا في جامعة الملك سعود - مع أهميته حاليا في تخفيف الضغط عن الكليات الإنسانية-  سيخلق مشكلات مستقبلية لا يمكن تجاهلها، في ظل عدم وجود وظائف في هذين المجالين للنساء.

عليه فإنه يمكن الذهاب باتجاه دعم افتتاح الكليات الصناعية للطالبات في التخصصات التي أثبتت المرأة  قدرتها وبراعتها فيها أثناء عملها في المصانع، مثل الجلديات، والأنسجة والسجاد، والأغدية ومشتقات الألبان، والبلاستك، والعطور ومستحضرات العناية، وغيرها من الصناعة الخفيفة. هذه الصناعات ما زالت متاحة للطالبات ويمكن اعتمادها في مسارات علمية أكاديمية في كلية الصناعة للطالبات.

وبالمثل يمكن العمل على تحويل بعض التخصصات التربوية القابلة للتحويل إلى كليات أخرى؛ مثل تخصص الاقتصاد المنزلي الذي يمكن نقله من كلية التربية إلى كلية التجارة والاقتصاد، وإتاحة الدراسة فيه للطالبات؛ كما يمكن دعم الخريجات السابقات لهذا القسم من خلال تأنيث مطاعم العائلات ومحلات الخياطة النسائية؛ في خطوة تشبه تصحيح وضع الدفعات القديمة من خريجات كلية الزراعة بجامعة الملك سعود، حين تم تعيينهن معلمات علوم بعد الحصول على الدبلوم التربوي.

الحديث عن آليات تنفيذية معلنة أهم بكثير من إعلان تقليص نسب القبول في الجامعات؛ وهو ما صرح به وزير العمل، أو الحديث عن إغلاق بعض التخصصات على ما صرح به وزير التعليم؛ وعليه فإن الحديث عن الحلول البديلة يجب أن يتقدم أي تصريح حكومي لاحقا؛ حتى لا تفتح التصريحات أبواب التكهنات؛ مثلما حصل في تلقي تصريح وزير العمل في هذا الشأن، مما دفع الوزارة إلى نشر توضيح، كان يغني عنه شرح آليات العمل وطرح تصور بديل عن تلك التخصصات.