قادت سيمون دي بوفوار، أهم حركة فكرية نسوية في هذا العصر. ولدت دي بوفوار في باريس في 1908. عرفت بأنها أديبة وكاتبة ومفكرة فرنسية، وفيلسوفة وجودية. غير أن إرثها الفكري الأهم يتمثل في أفكارها الداعمة لتحرر المرأة. اعتبر كتابها "الجنس الآخر" بمثابة منهج تأسيسي للحركة النسائية الحديثة. تنتمي إلى أسرة كاثوليكية ميسورة وقد تلقت تعليمها في مدارس باريس الخاصة، حيث انتسبت في السادسة من عمرها إلى معهد ديني، وانسحبت منه في الرابعة عشرة من عمرها بعد أن فقدت إيمانها بالكنيسة، وقد اعتبر هذا الانسحاب مقدمة لتحولها إلى اليسارية.

نالت دي بوفوار شهادة الأستاذية في الفلسفة، وعُينت أستاذة لتدريس الفلسفة، وما لبثت أن استقالت وقامت بعدها بكثير مما ارتبط اسم الفيلسوفة دوبوفوار بقضية الدفاع عن حقوق المرأة منذ وقت مبكر في حياتها، ونادت دي بوفوار بحق المرأة في اتخاذ القرار ورفض الأوضاع التي تكبلها، وساندت حركات تحرر المرأة في شتى أنحاء العالم.

في كتابها "الجنس الآخر" أمنت ونادت بأن على المرأة أن تكسب وجودها، لا أن تصل هويتها بهوية الرجل، فاضطهادها لا يأتي من الرجل وحده، بل إنها تضطهد نفسها أيضا: "إن الفئة المهيمنة تحاول أن تبقي المرأة في المكان الذي تخصصه لها، وتستقي الحجج من الوضع الذي خلقته هذه الفئة نفسها".

يعد كتابها "الجنس الآخر" مرجعا مهما ومصدرا فكرياً لكثير من مفاهيم النسوية، عرضت من خلاله تصورا حيّا لتاريخ الحركة النسوية الغربية التي كانت فرنسا من أوائل الدول التي ظهرت فيها تلك الحركات النسوية، وبالأخص بعد الثورة الفرنسية.

وأثارت سيمون بوفوار كثيرا من التساؤلات التي ضجت بها الأوساط الثقافية والشعبية على حد سواء، متساءلة: كيف أصبحت المرأة جنسا آخر؟ وما الأسباب التي جعلتها "آخر"؟

وأكدت وبعمق في كتابها أنه بالتأكيد سيحدث "إذا ما حررنا المرأة، فإننا نحرر الرجل، ولكنه يخشى ذلك"، فهل يخشى الرجل الحرية؟ أم الخوف من تفوق المرأة عليه وتمردها عليه؟ هل لأن الرجل بطبيعته مسيطر، ويرى نفسه أنه ملك القوة ليمتلك إنسانا ضعيفا اسمه "امرأة"؟

ولأن التساؤل كان بمثابة صدمة للمجتمعات التي كانت تنظر إلى النساء كنوع أقل أهمية ونوعية على مستوى الحياة، فقد ظهر تيار آخر مرر فكرة أن الكتاب يضرب وجود المرأة في صميم المعنى العميق لمفهوم الزواج والأمومة، مشيرين إلى أن سيمون بوفوار تحرض على أن الزواج والأمومة مؤسستان فرضتا على المرأة للحد من حريتها، وأن هذا كان جوهر الكتاب بينما هي محاولة لتشوية الفكرة التي تناولتها سيمون عن جوهرية وجود المرأة وحقها، وتفردها كإنسان واعٍ وكامل.