كيف يمكن الاهتداء إلى توصيف عادل نلبسه شخصية ما؟ مما يدخل في باب الإملاءات على الآخرين، وحسم المرافعة ضدهم، والدخول في فضاءات الجاهز عطفاً على الاستسلام لتلك النبرة المفرطة في الإعجاب والمتشبثة بخطابها المترع بالاحتفاء والتعويل عليه، اعتماداً على مقروئية تلك الشخصية والتموضع داخلها والإيمان بمعتقدها الفكري، مما يقوض ذلك التوصيف ويوهنه ويدخله في باب التعسف والمزاجية الطاغية والاندغام المريع مع ذلك المكون الفكري. أعلم أننا كعرب مولعون بالظواهر الإبداعية المشعة في تجلياتها فنتمركز حول ذاتها ونهبها ألقاباً فضفاضة، ونشيد حولها مدائن من شمع، ومضارب من أحلام، قد تكون صحيحة وقد تكون مضللة ومغايرة للواقع. إن فرادة المبدع، وهز الذاكرة التقليدية يشكل حالة متجاوزة ولكنه لا يشكل ريادة إذا كان ضمن حضور إبداعي لمنظومة من الأصوات المتسمة بالوعي والاستبصار المعرفي الصاعد والمجايل. وهذا ما وقع فيه الأديب سيف المري عندما قدم ديوان "فضاء لغبار الطلع" لأدونيس وقال في المقدمة: "لنقلب صفحات هذا الإصدار الموسوم بكل حروفه وحركاته ببصمة صوت رائد الشعر العربي المعاصر أدونيس، ولنبحر معاً في رحلة الغموض والتيه، ولنبحث عن الأسئلة التي تغلف طلاسم المعنى، فربما نقترب من سماء أدونيس التي قال عنها في الصفحة الأولى من هذا الديوان متسائلاً: من قال الشاعر لا يدخل السماء إلا محروساً بالجحيم؟"، إذاً لقد أدخلنا المري في مسلّمة ولعبة البلاغة، والمحددات الذهنية من باب "الإيحاء" وسلطة البداهة، ومنهج التصنيف المتعصب، والإغراق في التعميم القسري. أدونيس ذاته يقول في كتاب (الحوارات الكاملة) الجزء الأول ص 137 حول سؤال عن الريادة الشعرية. (لا أحب كلمة رواد في الشعر. هذه تصنيفات يصطنعها النقد لتبسيط ممارساته. وتسهيلها عدا أنها تصدر عن ذهنية مدرسية تقليدية ولا أجيال في الشعر. كذلك هناك حركة إبداع تضمر أحياناً، وتتوهج أحياناً أخرى. هناك بعبارة أخرى مبدعون أياً كانت أعمارهم وأجيالهم وأزمنتهم. وهناك مقلدون نظامون. فقيمة الشعر لا ترتبط بالزمن الرياضي سواء أكان هذا الزمن عمراً معيناً لشاعر معين، أو كان مرحلة معينة، والمبدع يظل مبدعاً في أي عمر وفي أية مرحلة) هذا ما قاله أدونيس عن الريادة الشعرية. إن الريادة مراجعات شاملة لضمير المبدع، ومساره وتحولاته ونواظمه الفكرية، وكينونته، وطاقاته واستشرافاته، وتمثلاته ذات الامتلاء والاكتمال. أما أدونيس فقد أصبح أقل حرارة، وأدنى وهجاً بعد مرحلة الاستحواذ الصارخ. بعد أن قذف به البعض إلى العتمة، وعلقه الآخرون قنديلاً على أعواد المصابيح، مع الاعتراف بجهده الضخم في إعادة جمع التراث الشعري العربي كقيمة موسوعية متميزة.