ما أروع الحكمة على لسان علي كرم الله وجهه (تكلموا تعرفوا، فإن المرء مخبوء تحت لسانه) المصدقة لطيب قول نبينا عليه الصلاة والسلام (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) وسلامة اللسان مرتبطة بسلامة السريرة وحسن الخلق والبعد عن مزالق الفتن.

المتابع لزمان ومكان وفحوى التحريض على أمير منطقة مكة المكرمة أثناء قيامه بخدمة حجاج الله في البيت الحرام في الشهر الحرام، وفي أيام هي أفضل أيام السنة، لإشعال أوار فتنة "إغلاق حلقات التحفيظ" وقلب حقائق الأمور، وهي لا تتعدى تنفيذ الفيصل لقرار وزاري بسعودة حلقات التحفيظ – ليمسك بملخص يجلو طبيعة أهل الفتن التي تخفي حقيقة مكرها، وهي كراهيتهم لشخصية الأمير كونها شخصية قيادية تعكس التوجه التنموي والحضاري الذي تطمح له سياسة الدولة العليا ممثلة في خادم الحرمين الشريفين، شفاه الله وعافاه وأطال عمره- في سعيها الحثيث للنماء والرقي ومواكبة الأمم المتحضرة، التي تنظر للفرد بذاتية خاصة تساهم في البناء والنماء والإبداع والابتكار، وهو بالذات ما يعارضه المرجفون كونهم يتغذون على تجهيل العقول وحجبها عن ذاتيتها ومسؤولياتها الدينية والفكرية، فالذات الحرة تختار راغبة طريقها بقناعة، بينما فكر الوصاية الجمعي يتغذى على التبعية والتجهيل ونظام الراعي والقطيع الذي يفقد المرء جوهر العلاقة الصادقة بين المرء وربه، ويشغله عنها بالشكليات والرياء.

لا شك أن أكثر من 24000 حلقة تحفيظ تدار بفكر الكتاتيب الذي قفز الزمن عنه بعيداً، ولا تخضع لنظام إداري ورقابي يتطلب إجراءً تنظيميا سريعا نفذه الأمير الذي عينته الدولة كنائب لها في أقدس بقعة مباركة.

ولأن هذه الفئة التقليدية المنكفئة على ذاتها والراغبة عن خط الدولة تسعى للإرجاف، فقد أشعلوها هوجاء في الموسم العظيم لاجتماع الحشود المؤمنة من كل فج عميق لتأدية مناسك الحج، وتوقيتها يدلل على أن تفريغ أحقادهم على الدولة في شخص الأمير خالد أهم أهدافهم المقيتة، وما رواية شهيد القرآن الوهمية إلا كذبة مساندة، خاصة والدكتور محمد عبده يماني رحمه الله لم يسلم منهم في تبديعه واتهامه في عقيدته، فهم أهل خصوصية عقدية وبيئية وعرقية لا يوازيهم في عنصريتها أحد، لكنها الذرائعية التي تستغل كل حدث لإيقاد أوار الفتنة، وما أسرع ما انطفأت بفضل الله ثم بتولي الأمير عن هذرهم إلى مهامه الجليلة لخدمة ضيوف الرحمن، وأكرم بها من مهام.

وفي الوقت الذي شغلونا فيه بالخصوصية السعودية، وعقيدتهم النقية التي لا تقارن بالآخرين صفاء وتزكية، نراهم وقد انقلب حالهم على محاربة السعودة والدفاع عن المسلمين عجماً وعرباً، ولا بأس مادامت النفعية هي المحرك للتوجهات والتقلبات! كل ذلك لأن القرار أصاب أهدافهم المتشددة، فخافوا تحجيم موارد فكرهم المنغلق والمتطرف.

إنها معركة فتنة ضد الدولة وليست لأجل القرآن، وقرار السعودة يخص أمن البلد وفكر الناشئة وليس من حق هؤلاء الموتورين التشغيب أو التدخل فيه، ولكنه ديدنهم، وتاريخ المتشددين ونزاعاتهم مع قرارات الدولة لا تعد ولا تحصى في كل مراحل التاريخ السعودي.

ولعل قراءة بعض ما ورد من رؤوس الغوغاء مفيد لاستجلاء أهدافهم الحقيقية، فالعواجي الموصوف بـ"الداعية والمفكر!!" في قناة الحوار يبث خزعبلاته مخاطبا الناس بمنطق الأممية لا الدولة والوطن، موهِماً أن المشتعلين بنيران الفتنة إنما يقودون انتفاضة مباركة ضد قرار جائر!! زاعماً أن "لا دخل لأي واحد من خريجي الحلقات في الإرهاب"، وكأنه في قلب وزارة الداخلية لينفي من التهم ويثبت ما يريد!!، وعندما ذكر المذيع أن الناس تشتكي من تقارير مشبوهة عن دروس في التشدد لمدرسين من جنسيات مختلفة، رد "هذا كذب محض وإن صرحت به الصحف السعودية، الصحف السعودية ليست مرجعا!!، المرجع في ذلك بمصداقية من يقوم على هذه الحلقات"، فهل سمعتم بشهادة براءة تطلب من المتهم، وهل نكذب الصحف السعودية ونصدق هذرك السادر في سمادير غيك وأنت تتهم بلدك بالكذب على رؤوس الأشهاد؟!

ويواصل رسالته الأممية المتنكرة للحس الوطني:

"للمعلومية المملكة تشرفت بخدمة الحرمين إدارة لا ملكاً، لم تملك الحرمين الشريفين من دون أمة محمد، والقرآن منزل على أمة محمد". الحرمان موجودان في الدولة السعودية رضيت يا محسن العواجي أم أبيت، والسعودية تقدم خدمات جليلة لبيت الله ولزواره يشيد بها القاصي والداني رغم تنكرك وافترائك.

وهذا ناصر العمر يتكلم بلسان القرآن افتراء على الله بوصف الفيصل بالمحارب لله (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) ومن منع حلقات التحفيظ بالحرم فهو داخل في ذلك دخولاً أولياً لقوله سبحانه (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا). والمستمع لسرد أساليب فتنتهم الجائرة يعتقد أن خالد الفيصل قد أزال المصاحف من المساجد، أو أنه أغلق أبواب بيوت الله أمام الطائفين والعاكفين والركع السجود!! وقد أزعجه وأقض مضجعه ورفيقه الفنيسان نيل الأمير جائزة الشخصية الرائدة في العالم وجيروها كالعادة لفكر المؤامرة والتغريب! ويقرر الفنيسان أن الأمير خالد صاحب منهج خفي قائلاً "ألم يدر في فكرك أن مثل هذا القرار قد يستغله عدو مغرض لأمر سياسي"، اخرجوا من تسييس الدين ولن نرَ هذا العدو الوهمي الذي يتغذى على خيالاتكم! ويستمر مجادلاً ومحققاً "متى دعوت بشعرك الشباب إلى الفضيلة وحذرتهم من الرذيلة؟"، ثم أخذ يحاسبه على عمله كرئيس لمؤسسة الفكر العربي ولأنشطته الفكرية والوطنية، فالفكر لديهم دين، والعلم دين والحضارة دين، والشعر دين، إذاً أين الدنيا والفرح والعلم والعمل في الحياة؟!

وبنظرة مادية بعيدة عن هدف التحفيظ يقرر صاحب لجينيات "سنقبل قراركم مدرسين سعوديين براتب 3000 كحد أدنى لمناسبة شرف المهنة"، لينقلب شرف التحفيظ من ديني إلى مادي! وهذا غيض من فيض فجور فتنتهم التي جيّروها لحساباتهم المرجفة!

أخيراً: القرآن يدعو للتعقل والتدبر والتفكر، وليس به آية تحث على الحفظ والتلقين، لأن الآية شكل وتدبرها محتوى، والكون لا يمكن أن ندركه بحواسنا بدون عقولنا، فالحواس لفظ والعقل هو المعنى.