أرجع عدد من المهتمين بالموروث الثقافي الشعبي ندرة مبادرات المشاركة المجتمعية في دعم الفنون الشعبية الأصلية، إلى عدة أسباب، منها طغيان ما سمي"أدب الفصحى"، خصوصا قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، كذلك إهمال التاريخ العربي الحديث، خصوصا رصد حركة وفنون الشعوب التقليدية. وكانت مبادرة قام بها عدد من أعيان محافظة رجال ألمع نهاية الأسبوع المنصرم تمثلت في الاحتفاء بفرقة الفنون الشعبية بمناسبة ترشيحها مع غيرها من الفرق لتمثيل منطقة عسير في مهرجان الجنادرية، بحضور محافظ رجال ألمع صالح الفردان، فتحت باب التساؤلات حول أهمية مثل هذه المبادرات في دعم الثقافة المحلية.

                 

لغة الشعوب

يؤكد الكاتب والشاعر إبراهيم طالع الألمعي أن الاهتمام الشعبي بموروث الشعب "ليس هو الغريب، بل الغرابة في عدمه". وقال "فنون الشعب هنا قُتلت منذ عقود، وزادها تغييبا غياب العمل عن الناس لأنها جميعا تتعلق أصلا بالعمل والحياة"، مضيفا "تزامن ما أسمي الصحوة مع موت العمل فيما أسمي "الطفرة"، فعاش المجتمع والواعظون نقدا سائلا دون عمل ولا إنتاج، واليوم أطلت حرية التعبير، وزادت قنوات النشاط، وصار على المجتمع استعادة موروثه المعبر عن هويته وحياته عله يستعيدها". وذكر طالع سببا آخر يرى أنه غيب الاهتمام بالفنون الشعبية قائلا: "ما أسميناه أدب الفصحى طغى على لغة الشعب وفنونه وتراثه عبر الزمن، وصار ينظر إلى لغته على أنها الأصل، بينما العكس هو الصحيح، فعندما يجد المجتمع فرصة لدعم فنونه وتراثه ولغته فسيفعل، وهذا شيء طبيعي أن يستعيد المجتمع ما سلب منه عندما يتاح له".

                     

تاريخ مختلف

يرى الشاعر والمهتم بالموروث زايد حاشد أن التاريخ العربي قديمه وحديثه "لم يسجل لنا إلا حركة السياسة وما يتعلق بها من علوم وفنون، وما شابه، أما حياة الشارع وفنونه وما يتعلق بالثقافة الشعبية فلم يسجل منها سوى القليل"، مضيفا، من الواجب علينا في ظل هذا العصر التقني الرائع أن نسجل ونوثق كل أشكال التعبير الإنساني في كل مستوياته الاجتماعية، ونفتح المجال للمشاركة لكل الفئات، ونبتعد عن النخبة مؤقتا لتسجيل تأريخ مختلف وحقيقي.

 


صحوة الأجيال

تعلق على الموضوع الأكاديمية بجامعة تبوك الدكتورة عائشة الحكمي، بالتأكيد على أن إقامة شراكة مجتمعية معاصرة مع الموروث "أمر عفوي وطبيعي". وقالت: لم توجد هذه الشراكة إلا بعد أن أدركت الأجيال الحديثة قوة وأهمية الموروث، ودوره الأهم في تميزها عن أمم أخرى، ولكي تحافظ الأجيال على تميزها وهويتها تحاول استمرار حياة موروثاتها التي ترتبط بالإنسان والزمان والمكان الذي يعيشون عليه.

وأضافت: الموروث حكاية تحتاج من كل الأجيال سردها وتوثيقها، والاتكاء عليها في اتجاههم نحو حياتهم ومستقبلهم، فيها حكمة الشعوب وعصارة التجارب وتفاعلها عبر الرحلة التاريخية، تعطي وصفا لجوانب من الحياة الإنسانية في كافة تموضعاتها  ومناشطها، فتعيد لذاكرة الأجيال صورا من ماض غائب، ومن هنا اكتسب الموروث أهمية جديدة تسهم في تنقيته من الزيف وتعطيه أبعادا صحيحة. وما الموروث الإنساني إلا صندوق عملاق تخزن فيه كل الرحلة الإنسانية، ومن ثم تفيد منه كل الشعوب على كافة المستويات.

وأوضحت معنى الموروث بالقول: "الموروث مفهوم واسع منه الفنون والفكر والثقافة الشعبية في كل مظاهر الحياة من مسكن، ومأكل، ومشرب، وملبس وحلي وعطور، وطب، وأعراف، وتقاليد بما فيها الفنون الشعبية مثل، الرقصات والحرف والمهن".