في الوقت الذي اشتكى عدد من المهتمين بالآثار والمتاحف من غياب ثقافة المتاحف والاهتمام بها في بعض مناطق المملكة، خصوصا منطقة جازان، أكد مدير فرع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بجازان المهندس رستم الكبيسي، أن متحف جازان الإقليمي المنتظر إنشاؤه سيكون واجهة ثقافية مهمة للمنطقة، وسيحل كثيرا من الإشكالات المتعلقة بهذا الملف. وقال لـ"الوطن": حرصنا على أن يكون هناك متحف جديد يضم كل آثار وتراث منطقة جازان، وهو المتحف الإقليمي الذي يقع بالكورنيش الشمالي من مدينة جازان، وجار الإعداد له حاليا، وقد اسُتلمت الأرض من قبل أمانة المنطقة، وبإذن الله ينجز قريبا. وفي الإطار العام للمشكلات التي تواجه ثقافة المتاحف يرى باحثون ومختصون في التراث والآثار أن كثيرا من المتاحف في مختلف مناطق المملكة لا تؤدي الدور المنوط بها، فهي لا تعدو كونها مخازن لقطع مهملة علاها الغبار.


الموقع الإستراتيجي

ذكر مدير مركز تاريخ مكة المكرمة، المشرف على متاحف جامعة أم القرى سابقا، الدكتور فواز الدهاس أن من أهم تلك الأسباب أن الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ما زالت حديثة عهد بهذا المجال، وإن بدأت تهتم بالمتاحف، إلا أنها لم تصل للمستوى المأمول، مضيفا أن تعدد وعشوائية المتاحف الخاصة التي ترجم من خلالها المواطن انتماءه وحبه وحرصه على التراث أسهم في إهمال العديد من المتاحف على تنوعها، كذلك عدم نضج ثقافة التراث.

بدوره، يؤكد مدير عام مركز تاريخ الطائف الدكتور عائض الزهراني أن الموقع الإستراتيجي للمتاحف وإثرائها بالمرافق الخدمية يلعب دورا كبيرا في إحيائها ونهضتها، مؤكدا على ضرورة أن يكون المتحف في وسط المدينة وفي مكان يراه المارة بعيدا عن الأطراف والمناطق الوعرة والصعبة، وذلك حتى يسهل الوصول إليه، وأن يتم تنظيمه وتزويده بمرافق للعوائل والشباب وزوايا خدمية من مطاعم وكافيهات وما إلى ذلك من خدمات تجذب المواطن والسائح لزيارتها والتعرف على محتواها.


 نظرة قاصرة

يؤكد الباحث والمؤرخ محمد مسعود الفيفي أن آثار وتراث المملكة بشكل عام بقيت لسنوات طويلة تعاني الإهمال بسبب ما وصفه بـ"نظرة قاصرة لا علاقة لها بالدين رغم إلصاقها به تعسفا"، فكانت أقسام التاريخ بجامعاتنا تحتفظ بالنزر اليسير عبر صالاتها المغلقة أمام الجمهور، فلا يطلع عليها إلا قلة من المختصين والطلبة". وأضاف: عندما أنشئت المتاحف العامة عهد بها إلى وزارة المعارف وقتها، وتمت تغذيتها بما يتم العثور عليه من القطع المتفرقة، واقتصر التنقيب الأثري على بعثات موسمية من قبل جامعة الملك سعود بوجه خاص، وكانت ترتاد قرية "الفاو" بقيادة الدكتور عبدالرحمن الأنصاري، فيما كانت كل المكتشفات في نهاية كل موسم تذهب إلى قسم التاريخ بذات الجامعة. وأكد الفيفي على أن التراث والآثار بمعزل عن ثقافة الجماهير رغم أهميته القصوى في التشكيل السليم للمستقبل والهوية الوطنية.

وقال "الثقافة المحلية في مجملها لا تلتفت للآثار طالما تجاهلتها المناهج والإعلام، فهي مهمشة ومغيبة عن المتلقي، والدليل مناهجنا بكل مستوياتها التي تخلو من جرعة تثقيفية بالآثار".


متحف صبيا

يعلق الأديب والمهتم بالتراث عبدالرحمن الموكلي على التساؤل قائلا: عزوف المواطن عن المتاحف والمواقع الأثرية متعدد الأسباب، منه المتعلق بتعليمنا الذي لا يقدر الآثار والمتاحف، ومنه المتعلق بثقافة البعض الدينية، مشيرا إلى أن المتاحف لها دور في هذا "الجهل"، فهي لم تُعرف بنفسها ولم تقدم أي برامج جاذبة على أقل تقدير لمراحل التعليم الأولى، مؤكدا على أن إحياء هذه المتاحف والرفع من مستوى ثقافة المواطن والزائر يحتاج إلى برامج متكاملة ومتزامنة من عدة جهات باعتبارها قيمة حضارية مهمة. من جهته، يعطي المهتم بالآثار والناشط الاجتماعي إبراهيم جبران دليلا من الواقع على ما تعانيه بعض المتاحف في منطقة جازان التي يرى أنها "مهملة"، مستشهدا بواقع متحف صبيا. وقال "المتحف بواقعه الحالي لا يقدم شيئا، وهو غائب عن المشهد الثقافي" مضيفا، هو الآن مجرد مخزن لعدد من القطع الأثرية التي يجهلها الناس، وهو للأسف لم يمارس دوره المنوط به.