لفتت نظري أثناء زيارتي لمدينة الطائف الأسبوع الماضي ظاهرة ازدياد أعداد المختلين عقليا الذين يتجولون في الشوارع بلا رقيب، وقد كنّا ألفنا أن نرى في بعض أحيائنا شخصا واحدا على الأقل من هؤلاء، ينعته أهل الحي بـ(المبلي). هؤلاء عادة هم المرضى الذين تتستر عليهم أسرهم فلا تذهب بهم إلى مستشفى الصحة النفسية؛ خوفا على سمعتها ومكانتها.
لكن تزايد الأعداد، ومشاهدة هؤلاء وأولئك يعترضون السيارات والمارة في الشوارع والطرقات، معرضين أنفسهم والآخرين للخطر لفتت نظري وأثارت فضولي؛ لذا تواصلت مع بعض العاملين في مستشفى الصحة النفسية هناك، فكانت المفاجأة التي لم أتوقعها أبدا؛ حيث قيل لي إن المستشفى مغلق منذ 3 سنوات للصيانة والتوسعة، وأن هؤلاء المرضى قد أخلي سبيلهم تحت ضغط ضعف السعة الاستيعابية للطوارئ بعد أن نقلت إليها عنابرهم؛ فكان الحل الوحيد هو إخلاء سبيل بعض المرضى. ليس ذلك فحسب بل إن المريض يخلى سبيله بمفرده حين لا يأتي شخص لاستلامه، وعند ذاك تتلخص مسؤولية المستشفى في كتابة عبارة (خرج بمفرده) في محضر الخروج.
هكذا وبكل بساطة، يخرج المريض بمفرده، يجوب الشوارع والطرقات، يعترض سبيل الصغار والكبار، ويعيش على بذل المحسنين في الأحياء وعند الإشارات الضوئية. أما علاجه الذي كلّف الدولة مئات الألوف فيذهب أدراج الرياح؛ لأن المريض فاقد الأهلية ولا يستطيع خدمة نفسه والاهتمام بصحته.
هذا الذي سمعته، وأنقله لكم، كان صادما بحق؛ إذ هل يعقل أن يخلى سبيل مريض نفسيا بمفرده؟ وإذا كان هذا الإجراء هو الإجراء المتوافق مع حالته لم تأخر إلى هذا الوقت الذي ضاق فيه المستشفى به؟
لست أدري هل تعاني وزارة الصحة من مشكلات وعوائق تجعل من صيانة مستشفى مهم مثل مستشفى شهار؛ الأول والأشهر في المملكة، أمرا متروكا للتسويف والمماطلة لسنوات طوال؟ ولا أدري، وهو الأهم، كيف سيعيش هؤلاء المرضى الذين خرجوا بمفردهم بلا أسرة ولا مأوى، ومعظمهم فاقد الأهلية.
هؤلاء المرضى الذين خرجوا من المستشفى سيضاف عددهم إلى المرضى الذين تتستر عليهم أسرهم في المدينة، مما يضاعف حجم المشكلة ويقلق السكان الذين صاروا يحذرون أبناءهم وهم خارجون إلى مدارسهم من المبلي فلان والمبلي فلان.
هذه المشكلة تضع وزارة الصحة أمام مسؤولياتها الطبية والقانونية، فالمرضى المتروكون في الشوارع بلا رقيب هم بحاجة إلى العلاج أو حتى إلى المراقبة المستمرة، لأنهم يشكلون خطرا على أنفسهم وعلى الغير، ولأن عدم اندماجهم مع المجتمع من حولهم سيزيد حالتهم سوءا، وقد يتسبب في مشكلات نفسية وقانونية أكبر.