فند المبتعث الدكتور خالد الكريري في رسالته التي حصل من خلالها على درجة الدكتوراه من قسم التاريخ - بجامعة برمنجهام البريطانية مؤخرا عن أطروحته المعنونة: "جون فيلبي ودوره السياسي في الجزيرة العربية"، الاتهامات الموجهة لفيلبي بالعمالة والدور الاستخباراتي في المنطقة العربية، وكان النادي السعودي ببرمنجهام قد استضاف الكريري أمس، في لقاء اليوم الثقافي الاجتماعي المفتوح، في محاضرة بعنوان "الحاج عبدالله فيلبي".




قضايا في الأطروحة

سلط الكريري الضوء على جهود فيلبي خلال الحرب العالمية الأولى وعن دوره في فرض الحصار وحلحلة بعض القضايا القبلية، بالإضافة إلى آرائه حول قضية الخرمة وإثبات أن من أسباب معركة تربة ليس فقط تعنت الشريف الحسين بن علي بل السياسة غير المتوازنة التي اتخذتها السلطات البريطانية في القاهرة في دعم الشريف الحسين دعما مطلقا غير مدركة وقارئة لقوة الملك عبدالعزيز، وعدم تقبله للتنازل عن الخرمة لأسباب تاريخية ودينية واقتصادية. وعالج دور فيلبي السياسي والاقتصادي في قضية مباحثات النفط بين المملكة العربية السعودية وشركة ستنادرد أويل أوف، ودوافع رحلته إلى شمال اليمن، وأخيرا قضية البريمي بين المملكة وبريطانيا.




نظرة سوداوية

تضمنت الأطروحة أسباب النظرة السوداوية من قبل المؤرخين الشرقيين والغربيين تجاه فيلبي، مبينا أن الأخير كان مخلصا لدولته إبان عمله مع حكومة بلاده وإلى حين استقالته عام 1924م، وأن ما قيل عن جاسوسيته أمر لم يستند على حقيقة دليل دامغ، وأنه ليس بالضرورة والإنصاف والموضوعية اتهامه بهذا الاتهام الكبير لمجرد كثرة انتقاده لسياسة بلده واتخاذه موقفا مؤيدا لحركات التحرر والاستقلال، أو لأن ابنه "كيم" كان متورطا وعميلا مزدوجا؛ تلك الخيانة التي هزت الرأي العام البريطاني وكانت كالأسفين في ظهر المخابرات البريطانية. وقد تضمنت الأطروحة توصيات للباحثين لطرق مواضيع جديدة في حياة فيلبي، حيث تضم أوراقه الخاصة في كلية سانت أنتوني كولج بجامعة أكسفورد، ومؤلفاته المطبوعة وغير المطبوعة مجالا رحبا لالتقاط مواضيع بكر جديدة، ترصد جوانب اجتماعية واقتصادية ودينية في المجتمع السعودي.




دلائل دحض الاتهام

دحض الباحث الكريري، ادعاء المؤرخ براون في كتابه غير المنصف واتهام فيلبي بالعمالة الأميركية، وذلك عندما أبرز دورا في مباحثات امتياز النفط بين المملكة وشركة ستنادرد أويل أوف، وأنه دق إسفينا في ظهر حكومة بلده، بالآتي:

- لم تكن شركة النفط العراقية البريطانية والتي شاركت في المفاوضات جادة في أخذ الامتياز، ولعل قرينة هذا الترجيح تكمن في قول ممثلها السيد "لونغريغ" الذي أفاد صراحة بأن مديري الشركة قد رفضوا زيادة عرضهم مما مكن الشركة الأميركية من أخذ الامتياز.

- عدم جدية الشركة البريطانية يعود إلى تخوفها في عدم وجود النفط في المملكة، خاصة وأن ثمة امتياز سابق قد فشل في إيجاد اي إشارات للنفط في عشرينيات القرن الماضي، فلم تكن لتتجرأ على خوض هذه المغامرة. بل إن من الدلائل التي تدحض هذا الادعاء عدم وجود وثائق ومراسلات بين فيلبي وبريطانيا تفيد عمالته خاصة في الفترة التي تلت استقالته عام 1924.


تصحيح تاريخي

عن سبب اختياره للحديث عن جون فيلبي قال الكريري لـ"الوطن" إن الأسباب التي دعته لذلك أنه لا توجد رسالة علمية تطرقت لدور فيلبي السياسي في الجزيرة العربية، وتختلف هذه الأطروحة بكونها تخالف ما قيل عن فيلبي من آراء خاطئة، وتصحح مفهوما جديدا يقدم رؤى جديدة حول شخصية فيلبي السياسية، وأيضا اكتشاف وثائق جديدة لم تطرق من قبل والتي كشفت عن حقائق تاريخية في حياة فيلبي. مضيفا، تصدت الرسالة إلى زعم بعض المؤرخين كخيري وبراون وغيرهما باتهام فيلبي بالعمالة أو الجاسوسية، لتيبن أن هذا الادعاء عار من الصحة ومجانب للصواب، فدخول فيلبي إبان حصار الملك عبدالعزيز لجدة، كان محل سخط من قبل الحكومة البريطانية، وتبرز عدة وثائق بريطانية تهديدا لفيلبي، وبقطع معاشه إذا تدخل في الصراع السعودي - الهاشمي. أضف إلى ذلك أن الملك عبدالعزيز رفض وساطة فيلبي وغيره كالريحاني والنقيب مما اضطر فيلبي لمغادرة الحجاز. والحقيقة أن سبب مجيء فيلبي كان سببا اقتصاديا صرفا، وكذلك رغبته الجامحة في اكتشاف الجزيرة العربية، وتسجيل اسمه ضمن مشاهير المستكشفين الغربيين.