عبدالله الغامدي



مما يروى في رياض الأطفال (ذلك العلم الكبير) الذي يستهدف تلك (الرؤوس الصغيرة) أن حرف الدال وأخاه حرف الذال جلسا ذات يوم في فناء منزلهما، فقال حرف الدال: إنني أشعر بالخجل لأن الناس يقولون إنني لا أزين نفسي بشيء! فرد عليه أخوه حرف الذال: أما أنا فإنني أشعر بالحرج لأن الناس يقولون إنني أبدو قبيحا بهذه النقطة فوق رأسي! (انتهت القصة وضحك الأطفال)!

وبدأت قصة ذوي (الرؤوس الكبيرة) فقال أحد أصحاب (حرف الدال): لماذا تتعمد إذلالي (يا ذال)؟ فقال: من قال لك هذا فإنه ليس إلى الخير (دال) وانتهت قصة الكبار أيضا ولم يضحك كالصغار!

وبين القصتين حام كثير من الكلام المشبع بـ: الفخر والقهر!

الدكتورات والدكاترة من حاملي (حرف الدال) باتوا اليوم حديث الصحافة ومواقع التواصل والمجالس الكلاسيكية والافتراضية على حد سواء! جحافل من طالبي شهادة الدكتوراه وأرتال من المشككين في قيمتها والمتحاملين على أصحابها بحق أو بظلم !

فحين يذكر الفخر والطهر فلا حديث أزكى من حديث الكفاح والشقاء طلبا للعلم .. لا يمكن لطالب علم مميز قضى زهرة عمره بين ورق البردي وخلف شاشات السيليكون لينتزع من العلوم أزكاها ويأتي من المعرفة بأجلها إلا أن يفخر ويباهي بكل لحظة في ذلك الميدان، سيباهي لأن الدال التي تسبق اسمه (دال نزيهة) خالية من شوائب الشهادات الوهمية والوساطات الإدارية .. وسيباهي أيضا بتلك (الدال) لأنها فتحت له أبواب القوة الحقيقية وهي أبواب المعرفة، فاستعمل ذلك الحرف بحقه ووظفه في مكانه وقام عليه خير قيام .. فهو اليوم صاحب مؤلفات ورائد فكر ومغير إيجابي معتبر، وله في مجالس الخاصة والعامة شأن ليس كمثله شأن إلا وهو شأن الرفعة، فهنيئا له بتلك المقامة وذلك المقام ... وسيباهي أيضا حين يعلم أن داءه الوحيد هو (داله) .. فكم من (ذال) مكر (لدال) ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين!

بيد أن القضية تأبى أن تنتهي عند حدود هذا البهاء فهنالك وجه آخر لحرف دال أحمق أخرق وربما مشوه لا يتجاوز كونه حرفا سبق اسما وهنا الابتلاء!

ابتلاء لأن حاملي هذا النوع المشوه من الدال محسوبون على بيت الدال الطاهر النقي ولكن المبصر البصير لن يجد عناء في تمييز الأنساب وتقديرها حين يتحدث مع كاملي الدال ومشوهيها!

فعلى سبيل المثال فإن أصحاب الدال الحقيقية الذين رسخ فيهم العلم كما رسخت في الراحتين الأصابع لا يقبلون إطلاقا بأنصاف الحلول وأشباه المواقف وبعض الأفكار .. نعم هذا قدرهم البحث عن التمام ! وفي نفس السياق فإن مشوهي الدال يستمتعون بتعليق الأمور وتضبيب المواقف بل وتعتيم الحقائق، وذلك قدرهم، الجلوس ما بين الشمس والظل، وذلك مقعد الشيطان!

أصحاب الدالات المشوهة علميا لضعفها أو وهميتها أيضا يستمتعون بتعقيد الأمور وتعسير اليسير ومحاربة البحث والاستقصاء وتقزيم الإنجاز ومجابهة المتعلمين وتسفيه التأليف والنشر وإخفاء المتميزين وتصيد عثراتهم، وهذا سلوك لا يليق إلا بمشوه (دالي) قد امتلأ جوفه حنقا وذاق صدره كمدا بمكتملي النمو المعرفي، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ..

اختم بعبارة مابرحت تزور فؤادي وعقلي وتملأ جوارحي يقينا ورضا، وهي قول الحق سبحانه (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)، فهنيئا لمن أوتي علما نافعا وعمل به ولو كان أميا ولا عزاء للمشوهين ...