المرأة السعودية خاضت مجالات متعددة وتفوقت وتميزت وأصبحت عضوا فاعلا في المسؤولية الاجتماعية والتنمية والثقافة، ولا يزال لها دور مهم في كل المجالات باستثناء مقاربة توجه نال كثيرا من التهميش والتعريض له وتشويهه، وهو مجال النسوية، هذا التوجه الفكري الذي تمت محاربته من النساء أنفسهن أكثر مما فعل الرجل، بحيث ظل كحركة فكرية ومجتمعية مغيبة على كل المستويات، حيث لا جمعيات نسوية أو ملتقيات أو رابطات تهتم بهذا النوع من التوجه الفكري الذي لم يكتف بكونه غُيّب، بل تم تشويه معناه العميق حتى ظهر لنا على السطح نشاط مجتمعي نسائي يتوافق مع البنية الأساسية التي هيأت لظهوره كطريقة تفكير في حين غيبت الثقافة النسوية تماما، وهنا ظهرت حركة "الفاشينيستا" وأصبحت نشطة وقائمة بحيث لا يمكن تجاهلها كحراك نسائي قائم، وهي تعني المرأة التي تهتم بالموضة والأزياء، وحتى يتضح الفارق في الحركتين فإن مفهوم الحركة النسوية هو وعي فكري معرفي معني بالفكر والذات، بينما الحركة النسائية، المتمثلة في "الفاشينيستا"، هي وعي بالجنس والبيولوجيا والمحسوس وإعلاء لكل متعلقات وعي الجسد عند المرأة، وشتان بين قلق الهوية عند النسوية وبين الانحباس في الجسد عند النسائية "الفاشينيستا".

انتصرت النسائية "وبلوقر الفاشينيستا" على كل مدونات النسويات ونظرياتهن وكفاحهن الطويل لأجل النساء. هذا واقع حقيقي ويومي في مجتمعنا وساعد من ظهوره وانتصاره التقدم التكنولوجي بكل تقنياته، مما اختصر الوقت في عملية التغيير والتحول وانتصار الجسد والمظهر على حساب تغذية الذات والعقل. وليس هنا وينتهي الأمر، بل إن عبادة الجسد والمادة تفاقمت حيث إن الترويج الذي تقوم به "الفاشينيستا" لقطعة من الملابس أو مستحضرات التجميل يفوق بالآلاف إقبالا واستجابة وحضورا من الترويج "لكتاب"، وبات هذا الأمر من التسطيح ينتصر في كل مرة وبامتياز في مجتمع تسود به الثقافة الاستهلاكية على حساب ثقافة الوعي.

وما بين "بلوقر الفاشينيستا والنسوية" مسافة حياة وفكرة ومبدأ، ففي الوقت الذي تنشط فيه النسائية وتظهر كطريقة حياة يبرز منهن الناشطات الأكثر حضورا ومتابعة وتأثيرا، وأصبح تجاهلهن أمرا غير وارد، فقد استطعن بشكل متاح ومرن النجاح والاستمرارية والقبول، وأحد أسباب هذا هو ترحيب المجتمع بكل ما يعزز ثقافة الجسد والحسية المادية والتسطيح، ولم يظهر بالمقابل، خاصة من الناشطات الدعويات والأكاديميات المعارضات للفكر النسوي، أية صوت لتصنيف هذه الحركة النسائية أو وصمها "بالوثنية النسائية" أو النسوية المتطرفة، كما قاموا به من قبل من وصم للنسوية بهذا المسمى.

في حين أن الأنوثة ليست عيبا أو استنقاصا للمرأة إلا أن إعلاءها على حساب كيان المرأة، العقل الواعي، هو النقص بذاته، والواقع اليوم يقول إن التوجه إلى الأنوثة هو مطلب الأطراف كافة، منهن المعارضات للفكر النسوي وتجار السوق الاستهلاكية ورجال الدين، وجميعهم يرون في المرأة جسدا أكثر من كونه عقلا. وهم ذاتهم الذين لا يعرفون عن النسوية إلا ما تم تعريفه لهم. ومن هنا يتم رفض أي فكر يمكن أن يدفع بالنساء إلى كونهن نسويات يعملن على تغيير البنى الثقافية والاجتماعية السائدة المتسببة في قهر المرأة، بينما يتم تمرير وقبول أي فكر يعزز من سطحيتها وجعلها كائنا ملونا يعيش على السطح.