جاء بيان وزارة الداخلية حول ضبط تسع عشرة خلية ليكرس أمرين الأول منهما واضح لدى الجميع، أما الآخر فيبدو أنه بدأ يتلاشى من ذاكرة المجتمع السعودي.

الأول كفاءة الأمن السعودي وهو أمر ليس مثار نقاش أو تساؤل، فالنجاحات المتوالية الممثلة في هذه الضربات الاستباقية للخلايا الإرهابية تؤكد أن الخبرة التراكمية التي اكتسبها الأمن السعودي أصبحت موضع الإعجاب والاحتفاء والاقتداء، ولم يعد هذا الإعجاب محصورا في الداخل السعودي بل أخذ صبغة عالمية ملحوظة بوضوح، ولهذا أقول إن هذا الأمر واضح لدى الجميع داخليا وخارجيا وأي نجاحات يسجلها الأمن السعودي فإنها تعد إضافة نوعية إلى سجله الناصع والمشرف في مضمار مكافحة الإرهاب وهو مضمار طويل وشاق ولا يعلم إلا الله متى ينتهي.

أما الأمر الآخر الذي كرسه بيان الداخلية على الرغم من الإحساس العام المخادع بتلاشيه فهو يتعلق بخلايا التفريخ فمن الواضح كما أشار عدد من الزملاء أمس ومنهم الزميل الدكتور علي الموسى أن التفريخ مستمر بفعالية ونشاط كبيرين، ومعنى هذا أن الفكر المتطرف المفرخ لهؤلاء الذين يتم اتخاذهم حطبا في وقود الإرهاب المستعر ما زال نشطا ومنتجا، وأجدني هنا متفقا مع رأي القاضي عيسى الغيث الذي نشرته بعض الصحف أمس من أن مقاومة هذا الفكر مازالت محصورة في جهود وزارة الداخلية وأن بقية الجهات المختلفة ما زالت متراخية في هذا الجانب إلى حد كبير، ومن المعروف أن منظري الفكر المنحرف أصبحوا يستخدمون التقنية بفعالية كبيرة لنشره واصطياد الضحايا وفي الخلايا التي تم القبض عليها من هم متخصصون في هذا الجانب وفاعلون فيه وهناك حتما غيرهم ممن لم يتم القبض عليهم حتى الآن، لكنني لا أعتقد أن النت هو الوسيلة الوحيدة للتفريخ والتجنيد، إذ لا بد أن هناك وسائل أخرى ما زالت قائمة فاعلة في بيئتنا المحلية، حيث من غير المعقول أن يكون قد تم تجنيد هذا العدد الكبير من السعوديين الذين بلغ عددهم حسب البيان 124 شابا عن طريق النت الذي يمكن أن يكون عاملا مساعدا مهما في التواصل والتغرير لكنه لا يمكن أن يكون منطلقا أساسيا، فالانطلاق الأساسي لا بد أن يتم عبر وسائل وطرق ترغيبية وترهيبية لا يمكن أن تتم إلا عن طريق اللقاء المباشر بين المنظرين والمغرر بهم ثم يتم استكمال المهمة بعد ذلك عبر التواصل الإلكتروني.

إنني أعتقد أن الواقع يحتم على المجتمع السعودي بكل مؤسساته الرسمية والأهلية وكل فعالياته تجاوز مرحلة الشجب والاستنكار لما تم الكشف عنه والتوصل إليه، والانتقال إلى التنقيب والتدقيق في خلايا التفريخ المستمرة التي تستغل مواسم الحج والعمرة كما أشار المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية، أو تستغل المشاعر والعواطف الدينية المعروفة لدى المجتمع السعودي والتي يمكن استغلالها للتغرير بأبنائه وبناته الصغار في مختلف المواقع، أو لجمع الأموال تحت حجج الصدقات والمساعدات الخيرية، ولعل الأمر يتطلب حملة ضخمة يشترك فيها الجميع لمقاومة محاضن التفريخ، وبدون ذلك فلا فائدة من أي كلام لا يتجاوز الشجب الذي اكتفينا ونكتفي به حتى الآن، فالوطن أمانة في أعناقنا جميعا، ولا يصح أن تبقى وزارة الداخلية وحيدة في ميدان يستهدف خطره الجميع دون استثناء.