في المعجم (المُطَّوّعُ: متطوِّع، من يتقدم لعمل ما مختارا ومن تلقاء نفسه)، أما في الاستخدام الشائع لها فالكلمة تعني الرجل المُتدين الذي لا يرتقي لمرتبة شيخ، ولأن كلمة شيخ لا علاقة لها بالشيخوخة فمن الصعب إيجاد آلية أو شروط للتسمية، لذلك شاع مصطلح (مطوع) تخففا، ومع ثورة الإعلام الجديد الذي أتاح منبرا لكل من أراد، أغرى هذا الانفتاح (المطاوعة) كي يرتقوا منابر منهم أعلى مرتبة (الشيوخ)، فأصبح يُلقب من مريديه بالشيخ والعالم والمفكّر، وهو يتعامل مع هذه الألقاب من باب (لم آمر به ولم يسؤني)، وأصبح يرى ميدان الدعوة إلى الله شبيها بملعب صبية الحي، يردد نفس النبرة التي تثير (مدرج الملعب)، وتم تحوير الجملة الرياضية الشهيرة في حواري كرة القدم: (إذا فاتتك الكرة لا يفوتك اللاعب)، لتصبح: (إذا لم تستطع تكفير خصمك فعلى الأقل فسّقه وبدّعه)، وإن كانت الجملة هذه الأقل تبدو أكثر (تسامحا) مع سابقتها الرياضية، إلا أنها شقيقة التكفير إن لم تكن هي التكفير بعينه، ففي الحديث الشريف: (وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)، فأصبح وصف المبتدع مستساغا ومتداولا لدى (المطاوعة)، وهم أنفسهم ينفون عن أنفسهم التكفير، فالكافر في النار، وصاحب البدعة في النار، لم نكفره لكننا هكذا وكأننا في حفلة شواء!

في الأسبوع الماضي تجاوزنا صراع المذهبية وأصبح التبديع والتفسيق بين أبناء المذهب الواحد، فوصلت البشاعة أن يُستغل أحدهم (من نجوم الوعظ) مصيبة خصمه ويكتب مقالا عنونه بـ(أهل السنة لا يعزون أهل البدع ولا يعودونهم)، وأهل السنة عند هذا المطوع/ الشيخ هم تياره فقط الذين بالنهاية هم المسلمون وحدهم، والخصم الذي يُحذر منه هو أحد أبرز وجوه الدعاة منذ التسعينات، وشخصيا أحب قراءة المناكفات والخصومات وهي عادة أحببتها منذ (هوشات الحارة)، لكن في الحارة كانت هناك آداب وشرف للخصومة، وكنا (صبية ذلك الوقت) نحترم الدين ولا نستعين به للتأليب على خصومنا، أما الآن فحتى الصداقات التي يصورنها على أنها حب في الله لم تعد هناك آداب، فالصديق (يغرّد في تويتر) داعيا محبيه لمتابعته في (سناب شات) لرؤية حديثه عن مصيبة صديقه، ومع ذلك أنا متفائل في وعي مجتمعي قادم، ليس لوجود مؤشرات تنبئ بذلك، لكن لأنه لم يعد (لا إنسانية أقل من كذا)!

وفي كل حديث مثل هذا تأتي الأسئلة البريئة لدرجة السذاجة مثل: لماذا تنقد رجال الدين وتغض الطرف عن غيرهم؟ وهنا أقول: دائما أفترض -جدلا- أن تسمية (رجال الدين) صحيحة، وهذه الجدلية هي مكمن الخطورة، إذ إن كثيرين يتلقون كلام (الرجل) بصفته -الكلام- دينا، ولهذا ترى السؤال أعلاه، فالجميع لا يرى بأسا من السخرية من ثري يستعرض سيارته الفارهة في شوارع نيويورك، بل حتى لو شتمته لن تجد من يقول اتق الله، فيما صورة رجل الدين مع سيارته (البنتلي) يكون في نظر الكثيرين من باب (هذا من فضل ربي)، والشيخ نشر صورة سيارته كنوع من الشكر، وأي سؤال عن الصورة هو نوع من اللمز في (رجال الدين)، وإن شئت أن توصم (بالريبراية) فاسأل: ألا يوجد نساء دين؟ وسيأتي الجواب: (أفا.. ارفع علومك يا رجل)!