لي صديق حميم وكريم.. أجمل صفاته أنه وطني حد النخاع.. كنا نفكر سويا.. نحلم سويا .. نلاحظ أشياء عدة.. نحكي عنها.. ننتقد أشياء عدة.. ونتخيلها بصورة أجمل.. كنا نرى بلادنا في مكان أفضل مما هي عليه، لو تحلى كل مسؤول ـ أوكلت إليه الأمانة ـ بالإخلاص..
تباعدت المسافات بيننا، ودارت الأيام دورتها، وتم اختيار صديقي هذا عضوا في مجلس الشورى في دورته الأخيرة..
اتصلت به مهنئا على هذه الثقة.. وداعيا له بالعون والتوفيق في هذه الأمانة العظيمة التي سيحاسبه عليها الله.. ومذكرا له بما كنا نحلم به.. ومستبشرا بأن الفرصة قد حانت لبلورة أحلامنا إلى واقع.. إلى تشريع تنموي.. إلى حقيقة ماثلة..
كنت مسرورا للغاية.. كنت أقول في نفسي: الرجل عملي ونزيه ويحارب الفساد والترهل والفوضى والمحسوبيات ويسعى للإصلاح بكل ما أوتي من قوة وها قد سنحت الفرصة ليفعل شيئا.. أن يتحول إلى عضو فاعل منتج..
مرت الأشهر الأولى.. لم أسمع لصديقي أي صوت.. قلت "لعل له عذرا وأنت تلوم"!
مرت السنة الأولى.. اختفى صديقي تماما.. مرت السنة الثانية.. كأنه لم يكن..!
اعتراني القلق وساورتني الشكوك.. ما الذي جرى لصديقي؟ أين اختفى؟ أين ذهب ذلك الحماس؟ أين ذهبت تلك الروح الطموحة؟ أين اختفى ذلك الصوت الصادق؟!
هل أحبط صديقي؟ ـ لا أظن.. فلديه إرادة تستعصي على اليأس وتهزم الإحباط..
ـ هل في أنظمة المجلس ما يمنع العضو من الكلام؟ ـ لا أتوقع ذلك فالمجلس أصلا "كلام في كلام"!
إذن ما الذي حصل؟!.. لم أسمع صوت الرجل في المجلس إطلاقا.. لم أشاهد صورته لا في صحيفة ولا في تلفزيون ولا حتى في الأحلام!
حاولت أن أتصل به كي أعرف ما الذي جرى، وأين ذهبت الأحلام الوردية!.. لكن هاتفه لا يرد.. أين اختفى صديقي عضو مجلس الشورى؟!
وما الذي يفعله كل يوم أحد وإثنين في المجلس، خاصةً أنه لا يحب شرب القهوة؟!