ما الغضب؟ إنه شر ويمكن أن يؤدي إلى كثير من المشاكل الصحية والاجتماعية بأن يفرق بين الأهل والأصدقاء، قد يجعل من الفرد إنساناً غير مرغوب فيه منبوذا يتحاشاه القريب قبل البعيد، ولكن إن درسنا الغضب وحللناه نجد أنه أيضا محرك يجعلنا نتفاعل ضد قضايا تمس العقيدة، الأمن، الحق، العدل، تمس الحياة؛ بأن يُغتصب الحاضر ويُهدد المستقبل، فإن غضب المتضررين قد يدفعهم للتحرك والمواجهة، حتى يتخلون عن السلبية ويخلعون ثوب الضحية، لنفض كل هذا التشويش والتركيز على الحقائق، ربما نستطيع أن ننقذ المستقبل!.
مجتمعنا يئن من حمل هذا الكم من الغضب الذي بات يجري فينا كجريان الدم في العروق! للنظر حولنا في الطرقات نتصارع على من سيسبق الآخر، ليس لدينا الصبر لنفسح الطريق، كلّ يريد أن يكون من يدخل أو يخرج أولاً، ليس لأنه على عجلة من أمره، أو حتى لديه حالة حرجة يريد أن يسعفها، بل لمجرد أننا نستطيع ونرى أن هذه الاستطاعة حق!، وفي الطوابير التي نعرف اسمها ولا نعرف كيف نتقيد بها، لا يهم من أتى قبل، المهم من يدك كل من قبله ليصل!، وفي مؤسساتنا التعليمية تحولت النقاشات إلى معارك في القاعات وفي الساحات وحتى خارج الأسوار، وللأسف بتنا نرى الإناث أشرس في الخصومة من الذكور!، وفي فضاء السايبر وعلى الرائي والمذياع بل حتى الأغاني أصبحت عبارة عن غضب وثورات تحد من كل القيم والأخلاقيات!.
وحيث يجب أن نغضب نتراجع ونستكين! أحيانا قمع الغضب يكون دليلا على قلة الحيلة أو ضعف أخلاقي! فحين نتخلى عن الغضب الذي يحررنا من صور وسلوكيات وأحداث سلبية نكون قد تخلينا عن العدالة والحرية والحقيقة! أمام مجريات الأحداث العالمية نحن هادئون حد الخطيئة، العالم يغلي ونحن هادئون! وكأن كل ما يجري حولنا لا يعنينا بشيء! نعم مبدعون في إنشاء الوسم وإيصاله للترند، الذي نتخلى عنه ونلاحق آخر بنفس السرعة التي أنشئ بها الأول! غالبيتها مواضيع سخيفة تدعو للتشويش والتفرقة أو السفاهة وإضاعة الوقت! وليتها تكتب بلغة صحيحة خالية من الأخطاء الإملائية؛ نذبح أنفسنا ونذبح معها لغتنا العربية! ما هذا السلاح الفتاك لقد جعل العالم يرتجف خوفا ويصغي إلينا، فعلا تذكرت موقف عادل إمام في إحدى مسرحياته حين يقول: "أنا بلعب بلياردو ما يهمنيش حاجة"! أما أن نستخدم هذا المجال المفتوح عالميا بوقفة رجل واحد مطالبين بالمحاسبة والعدل، فكلا لأن ذلك آخر اهتماماتنا! أو ربما لسنا غاضبين بما فيه الكفاية!.
أنا اليوم غاضبة وغاضبة جدا، غاضبة من هذا العالم الذي يدّعي التحضر، غاضبة من الدول الكبرى التي تسعى لإحلال ما يسمى "نظام العالم الجديد"، مفهوم لم يصغ حديثا، ولكننا في سبات عميق نرى التغييرات واحدة بعد الأخرى، نتلقى الضربات الواحدة تلو الأخرى، ونتصرف على أساس ردة فعل لكل حدث على حدة! أنا غاضبة من نظام التعليم، من الإعلام ومن المثقفين والمفكرين! لماذا نقف مكبلين لا حراك ولا مواجهة؟! لماذا نتخلى عن كل منطق ومبدأ ونسمح للهمجية أن تستبيح عقيدتنا وتسلخ هويتنا ولا نواجه؟! لا نعرف كيف نسأل ونركز على إجابة أسئلتهم، فيما يجب أن نكون نحن من يسأل ونحن من يحاسب! يقولون الإرهاب من عندكم ماذا أنتم فاعلون؟ لماذا لا نسأل نحن عن دورهم في الدعم والنشر؟ لماذا لا نسأل عن طرقهم في محاربة الإرهاب؛ مثلا لنأخذ برنامج الطائرات من دون طيار وهو حسب قولهم أحد الجوانب المميزة في استراتيجية الحرب على الإرهاب، ألا تخلق الرعب بين سكان الدول التي تضربها؟ ألا تشمل ضحايا من المدنيين الأبرياء؟ هل قضت على الإرهاب أم ضاعفته بخلق المزيد من الحاقدين الذين يسهل تجنيدهم بعدها؟ والمساعدات العسكرية التي ترسلها إلى الجماعات المسلحة المعتدلة، ألم يقع جزء كبير منها في أيدي الإرهابيين بطريقة أو بأخرى؟ وتحركات القوافل للإرهابيين في المناطق المفتوحة، ألم تلتقطها أقمارهم الصناعية؟ لماذا تُركت ولم تُضرب؟ وحين يتم منع دول معينة من دخول بلادهم، ويسمح للنصارى والأزيديين واليهود، فمن تبقى إذن؟ ثم يريدون أن نصدق بأنهم لا يقصدون المسلمين؟! وما يغيظ حقا حين تخرج أصوات من بيننا تدافع بأنها مسألة سيادة وحرية قرار في تأمين بلادهم! بالطبع ربما لأن المنع لم يطالكم بعد، أم نسيتم مقولة: "أكلت يوم أكل الثور الأبيض"! والأدلة تتواتر يوميا، ولكن ما زال هنالك أصحاب الفكر الضحل الذين يتم التلاعب بهم فيرون الحق باطلا والباطل حقا! يتم تشويه الحقائق وتُقدم الروايات الكاذبة وبنفس الوقت تُوجِّه أصابع الاتهام، وهي أصلا أصابع نفس الأيدي المسؤولة عن خلق الواقع أو الحدث! يتلاعبون بالمفاهيم كما يتلاعبون بالأحداث، فيتم الحذف والإضافة، ومع الوقت يذهب الذي قام بالحذف ويبتلعه النسيان، ولكن تبقى الإضافة لتُفرض على أنها الحقيقة، تماما كما يتم جرف الهوية لتمحى، ومع الوقت تستبدل الهوية الوطنية بالهوية العالمية، وينصهر العالم في بوتقة واحدة!
إن النظام العالمي الجديد ليس واقعا أو حقيقة يجب أن نتقبلها بل شر يجب أن يواجه! يقول هنري كيسنجر: "ستغضب اليوم أميركا إذا دخلت القوات التابعة للأمم المتحدة لوس أنجلوس لاستعادة النظام، (ولكن) سوف يشكرون غدا! هذا صحيح سيما إذا قيل لهم إن هنالك تهديدا خارجيا، سواء أكان واقعا أم معلنا يهدد وجودنا. وبالتالي فإن جميع شعوب العالم سوف تترجى تخليصها من هذا الشر. الشيء الذي يخافه أي فرد هو المجهول، وحين يقدم في إطار هذا السيناريو سوف يتنازل الأفراد عن حقوقهم وعن طيب خاطر لضمان الرفاهية (الأمن والمصالح) التي ستمنحها لهم حكومة النظام العالمي لجديد"! وقبله قال ديفيد روكفلر: " نحن على وشك التحول العالمي، كل ما نحتاج هو أزمة كبيرة وسوف تتقبل الدول النظام العالمي الجديد". أما بروك تشيشولم فلقد قال: "لتحقيق حكومة عالمية، فمن الضروري أن نزيل من عقول الناس الفردية والولاء للتقاليد والأسرة وحب الوطن والعقائد الدينية"! نعم قد يكون قد رُسم للمجتمعات الدولية عالم وردي حيث سيتم التخلص من الفقر والحروب والأمراض، والحفاظ على البيئة، ولكن إن دققنا فإن ما يعنيه النظام العالمي الجديد هو التمهيد لحكومة عالمية واحدة، اقتصاد عالمي واحد، ودين واحد بمعنى آخر طغيان واحد! إن كان لا بد من الغضب فلنغضب لمثل هذا ونتحرك للمواجهة أو لنستمر في توجيه غضبنا على بعضنا البعض ففي كلا الحالتين نحن الخاسرون!.