"غرد الشعر في الذرا والنجود

وطريق من الدما وبنود

يا طريق الشهيد لست شعارا

أنت شعب وأنت معنى الخلود

لست أمشي عليك، بل أنت تمشي

فوق رأسي ببيرق وشهيد". هكذا أنشد الشاعر ابراهيم طالع.

أحيانا نلتهي بحياتنا.. نعيشها بكامل بهجتها.. نستمتع بها إلى الحد الذي يجعلنا ننسى الآخر، الذي كان جزءا مهما من هذه الحياة، بل قد يكون هو الأهم. يغيب فجأة ونحزن عليه لفترة قصيرة، وسريعا ننحرف عن مسار الحزن إلى مسار النسيان وممارسة حياتنا بكاملها طبيعيا.

أما في محافظة محايل عسير، تلك المتصلة بالوفاء والحب، والباقية على مقربة من الإنسانية والترابط المجتمعي، فلم تنسق وراء النسيان، وتودع تاريخ أبطال الوطن في ذاكرة الفقد، فكانت مختلفة تماما، وفية صادقة مع الوطن وأبنائه في عرسهم الموسمي، وفي أوج استمتاعهم بأجواء الدفء وما صاحبه من برامج متنوعة سياحية ثقافية وترفيهية، لم تنس محايل أولئك الذين ضحوا بحياتهم من أجل الوطن وأمنه وأمانه، مواطنه ومكتسباته.

في "محافظة محايل عسير"، وفي أحد الشوارع ظهر لنا اثنان وثمانون شهيدا، علقت صورهم على امتداد شارع ممتلئ بالحب، تحفه الوجوه الغارقة بالدعاء والصلاة من أجلهم.. هؤلاء الذين أخلصوا للأرض، فقدموا أرواحهم جسرا فاصلا بينها وبين الموت، وبينها وبين السقوط في هاوية الضياع وخلف دهاليز الفوضى والدمار، قاتلوا من أجل الوطن حتى غابت أجسادا تحت ثرى هذه الأرض، لكنهم بقوا عطرا عالقا كلما حرث الفقد هذا الثرى.

سطرت تلك القامات الشامخة وتزينت بهم هذه الطريق، ليس فقط حبا وتقديرا ووفاء لهم على هذا العطاء العظيم الذي قدموه لأرضهم، بل ليبقوا صفحة خالدة منحوتة بدمائهم الطاهرة في تاريخ التضحية وفداء الوطن، يقرؤها الأبناء لأحفاد هؤلاء الأبطال، كي يفاخروا بهم في أجيالنا القادمة وليخلدوا شعاعا وطنيا في هذه الطريق.

هذا المشروع الإنساني الخالص "شارع الشهداء" برأيي هو المشروع الناجح الذي يدخر للوطن رصيدا من الرجال الذين يحبونه، وينتشرون في كل جهاته، باحثين عن أمنه واستقراره وعليائه، لذلك أتمنى على هيئة السياحة دعم هذا المشروع، بعمل مدينة متكاملة تسمى "مدينة الشهداء"، تقام في ذات المحافظة التي احتضنت الشارع وعملت عليه، لترسخ هذه المدينة العمل على فكرة الوطنية وبطولة الشهداء وكل ما يتعلق بهم، وتكون ملتقى لذويهم ومزارا للنشء، ليكونوا من خلالها على صلة بتاريخ أبطالنا وما قدموه لوطنهم، وهذا أقل ما يقدم لهم بعد أن ضحوا بأنفسهم فداء من أجل الوطن ومن أجلنا. والوفاء الذي سبقتنا إليه محافظة محايل سيكون بداية مشروع إنساني كبير يعنى بتاريخ الشهداء وحفظه ليبقى على امتداد الأزمنة القادمة.