أحب محمد عبده كإنسان، أحبه أكثر عندما يحلّق بصوته "فوق هام السحب" طربا، لذا من الطبيعي أن يكون عشاقه أسعد الناس بعودة الحفلات الغنائية إلى المملكة بعد سنوات من غربتها، وكأنهم يرددون: "الله عليها عوُّدت".

هذا النشاط الفني الملحوظ على الساحة السعودية، جاء ضمن أجندة الهيئة العامة للترفيه، والتي تهدف إلى مضاعفة إنفاق الأسر على الثقافة والترفيه داخل المملكة من 2.9 % إلى 6 % بحلول عام 2030.

"من بادي الوقت" كان من المحتمل جدا أن أكون ممن يحزم أمتعته للحاق بمحمد عبده على "مركب الهند"، لأكون ضمن "المعازيم"، في حفلة "مذهلة" تمتد حتى "الفجر البعيد". لكن الأمر اختلف الآن، إذ لم يعد لدي استعداد وأنا رب أسرة من 5 أطفال، أن أدفع ثمن تذكرة حضور أي حفلة، ولو كانت لمحمد عبده، رغم حبي له، فالزيادة التي بدأت تطرأ على فواتير الخدمات وتكاليف الحياة اليومية هي أولى بقيمتها على سبيل بعض من التعويض.

صحيح أني أشتاق لـ"أماكن" محمد عبده التي تضيء الليل فنا، لكنها لن تضيء بيتي عندما تقطع شركة الكهرباء عنه التيار، لعدم سداد فواتيرها التي أصبحت تتضخم شيئا فشيئا.

وصحيح كذلك أن "المطر" يُسمع صوتا عندما يشدو محمد عبده من جديد برائعة بدر شاكر السياب، لكنه وإن ردد حتى الصباح "مطر.. مطر"، فلن يروي ذلك منزلي من الماء عندما أتخلف عن سداد فاتورة شركة المياه!

الترفيه كما أرى يأتي تلقائيا مع ارتفاع مستوى معيشة المواطن، أما عندما يقل دخله، فلن يكون ذلك في سلم أولوياته، لأنه من الطبيعي أن يكون مشغولا بضروريات الحياة.

عندها لن يعبأ ذلك المواطن البسيط بتذاكر حفلة محمد عبده، نفدت أم لم تنفد، لأنها أصبحت خارج خياراته المتاحة، وسبيله الوحيد لمشاهدة "فنان العرب" هو بالمجان، وعبر التلفزيون فقط.

حتى عندما يُسأل عن عدم حضوره، يجيب حبا لمحمد عبده: المسرح إزعاج ، وما نسمع أبو نورة زين!.